وَخَرَجَ أُسَامَةُ فَضَرَبَ الْجُرُفَ الْعَسْكَرُ وَتَمَهَّلَ النَّاسُ، وَثُقِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَشْغَلْهُ شِدَّةُ مَرَضِهِ عَنْ إِنْفَاذِ أَمْرِ اللَّهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أَمْرِ الْأَسْوَدِ، فَأُصِيبَ الْأَسْوَدُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ وَفَاتِهِ بِيَوْمٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ يَحُثُّهُمْ عَلَى جِهَادِ مَنْ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ.
«وَقَالَ أَبُو مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْقَظَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً وَقَالَ: إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ، فَانْطَلِقْ مَعِي. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: لِيَهْنِئْكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ، قَدْ أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ. ثُمَّ قَالَ: قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ وَالْخُلْدِ بِهَا، ثُمَّ الْجَنَّةَ، وَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي، فَاخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي. ثُمَّ اسْتَغْفَرْ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَبُدِئَ بِمَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ» .
«قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا رَجَعَ مِنَ الْبَقِيعِ وَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا وَأَنَا أَقُولُ: وَارَأْسَاهُ! قَالَ: بَلْ أَنَا وَاللَّهِ يَا عَائِشَةُ وَارَأْسَاهُ! ثُمَّ قَالَ: مَا ضَرَّكِ لَوْ مُتِّ قَبْلِي، فَقُمْتُ عَلَيْكِ وَكَفَّنْتُكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ؟ فَقُلْتُ: كَأَنِّي بِكَ وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ، فَرَجَعْتَ إِلَى بَيْتِي فَعَرَّسْتَ بِبَعْضِ نِسَائِكَ. فَتَبَسَّمَ، وَتَتَامَّ بِهِ وَجَعُهُ، وَتَمَرَّضَ فِي بَيْتِي.
فَخَرَجَ مِنْهُ يَوْمًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَالْآخَرُ عَلِيٌّ، قَالَ الْفَضْلُ: فَأَخْرَجْتُهُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ صَلَّى عَلَى أَصْحَابِ أُحُدٍ، فَأَكْثَرَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقُ مَنْ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ أَخَذْتُ لَهُ مَالًا فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ، وَلَا يَخْشَ الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِي، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ شَأْنِي، أَلَا وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute