مِنِّي حَقًّا إِنْ كَانَ لَهُ، أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ رَبِّي وَأَنَا طَيِّبُ النَّفْسِ.
ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَعَادَ لِمَقَالَتِهِ الْأُولَى. فَادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، فَأَعْطَاهُ عِوَضًا. ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيُؤَدِّهِ، وَلَا يَقُلْ: فُضُوحُ الدُّنْيَا، أَلَا وَإِنَّ فُضُوحَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ فُضُوحِ الْآخِرَةِ. ثُمَّ صَلَّى عَلَى أَصْحَابِ أُحُدٍ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ. فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِأَنْفُسِنَا وَآبَائِنَا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَبْقَيَّنَ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَفْضَلَ فِي الصُّحْبَةِ عِنْدِي مِنْهُ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ.
ثُمَّ أَوْصَى بِالْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، أَصْبَحْتُمْ تَزِيدُونَ، وَأَصْبَحَتِ الْأَنْصَارُ لَا تَزِيدُ، وَالْأَنْصَارُ عَيْبَتِي الَّتِي أَوَيْتُ إِلَيْهَا، فَأَكْرِمُوا كَرِيمَهُمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ» .
«قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: نَعَى إِلَيْنَا نَبِيُّنَا وَحَبِيبُنَا نَفْسَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ. فَلَمَّا دَنَا الْفِرَاقُ جَمَعَنَا فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا فَشَدَّدَ، وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ: مَرْحَبًا بِكُمْ، حَيَّاكُمُ اللَّهُ، رَحِمَكُمُ اللَّهُ، آوَاكُمُ اللَّهُ، حَفِظَكُمُ اللَّهُ، رَفَعَكُمُ اللَّهُ، وَفَّقَكُمُ اللَّهُ، سَلَّمَكُمُ اللَّهُ، قَبِلَكُمُ اللَّهُ، أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأُوصِي اللَّهَ بِكُمْ، وَأَسْتَخْلِفُهُ عَلَيْكُمْ، وَأُؤَدِّيكُمْ إِلَيْهِ، إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ، أَلَّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ لِي وَلَكُمْ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: ٨٣] . قُلْنَا: فَمَتَى أَجَلُكَ؟ قَالَ: دَنَا الْفِرَاقُ، وَالْمُنْقَلَبُ إِلَى اللَّهِ، وَسِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَالرَّفِيقِ الْأَعْلَى، وَجَنَّةِ الْمَأْوَى. فَقُلْنَا: مَنْ يُغَسِّلُكَ؟ قَالَ: أَهْلِي. قُلْنَا: فِيمَ نُكَفِّنُكَ؟ قَالَ: فِي ثِيَابِي أَوْ فِي بَيَاضٍ. قُلْنَا: فَمَنْ يُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: مَهْلًا، غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ وَجَزَاكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ خَيْرًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute