للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَبَكَيْنَا وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: ضَعُونِي عَلَى سَرِيرِي عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي، ثُمَّ اخْرُجُوا عَنِّي سَاعَةً لِيُصَلِّيَ عَلَيَّ جِبْرَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ ادْخُلُوا عَلَيَّ فَوْجًا فَصَلُّوا عَلَيَّ، وَلَا تُؤْذُونِي بِتَزْكِيَةٍ وَلَا رَنَّةٍ، أَقْرِئُوا أَنْفُسَكُمْ مِنِّي السَّلَامَ، وَمَنْ غَابَ مِنْ أَصْحَابِي فَأَقْرِئُوهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَمَنْ تَابَعَكُمْ عَلَى دِينِي فَأَقْرِئُوهُ السَّلَامَ» .

«قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ! - ثُمَّ جَرَتْ دُمُوعُهُ عَلَى خَدَّيْهِ - اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَضُهُ وَوَجَعُهُ، فَقَالَ: ايتُونِي بِدَوَاةٍ وَبَيْضَاءَ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّونَ بَعْدِي أَبَدًا. فَتَنَازَعُوا - وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ - فَقَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَهْجُرُ. فَجَعَلُوا يُعِيدُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ: دَعُونِي، فَمَا أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ. فَأَوْصَى بِثَلَاثٍ: أَنْ يُخْرَجَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَنْ يُجَازَ الْوَفْدُ بِنَحْوٍ مِمَّا كَانَ يُجِيزُهُمْ. وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ عَمْدًا، أَوْ قَالَ: نَسِيتُهَا» .

وَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ. فَقَالَ النَّاسُ: كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا. فَأَخَذَ بِيَدِهِ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: أَنْتَ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ الْعَصَا، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيَتَوَفَّى فِي مَرَضِهِ هَذَا، وَإِنِّي لَأَعْرِفُ الْمَوْتَ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَاذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْأَلْهُ فِيمَنْ يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ، فَإِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا أَمْرُهُ أَوْصَى بِنَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنَعَنَاهَا، لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ أَبَدًا، وَاللَّهِ لَا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَدًا.

قَالَ: فَمَا اشْتَدَّ الضُّحَى حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. «قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ: مَا وَجَعُهُ إِلَّا ذَاتُ الْجَنْبِ، فَلَوْ لَدَدْتُمُوهُ، فَفَعَلُوا. فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: لِمَ فَعَلْتُمْ هَذَا؟ قَالُوا: ظَنَنَّا أَنَّ بِكَ ذَاتَ الْجَنْبِ. قَالَ: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيُسَلِّطَهَا عَلَيَّ. ثُمَّ قَالَ: لَا تُبْقُنَّ أَحَدًا لَدَدْتُمُوهُ إِلَّا عَمِّي، وَكَانَ الْعَبَّاسُ حَاضِرًا، فَفَعَلُوا» .

قَالَ أُسَامَةُ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَبَطْتُ أَنَا وَمَنْ مَعِي إِلَى الْمَدِينَةِ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَقَدْ صَمَتَ فَلَا يَتَكَلَّمُ، فَجَعَلَ يَرْفَعُ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَيَّ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يَدْعُو لِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>