للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَاتَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَلِيلٍ. فَلَمَّا مَاتَ الْمُنْذِرُ بْنُ سَاوَى ارْتَدَّ بَعْدَهُ أَهْلُ الْبَحْرَيْنِ، فَأَمَّا بَكْرٌ فَتَمَّتْ عَلَى رِدَّتِهَا، وَأَمَّا عَبْدُ الْقَيْسِ فَإِنَّهُمْ جَمَعَهُمُ الْجَارُودُ، وَكَانَ بَلَغَهُ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ نَبِيًّا لَمْ يَمُتْ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ لِلَّهِ أَنْبِيَاءٌ فِيمَا مَضَى؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا فَعَلُوا؟ قَالُوا: مَاتُوا. قَالَ: فَإِنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ مَاتَ كَمَا مَاتُوا، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَأَسْلَمُوا وَثَبَتُوا عَلَى إِسْلَامِهِمْ.

وَحَصَرَهُمْ أَصْحَابُ الْمُنْذِرِ بَعْدَهُ حَتَّى اسْتَنْقَذَهُمُ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ. وَاجْتَمَعَتْ رَبِيعَةُ بِالْبَحْرَيْنِ عَلَى الرِّدَّةِ إِلَّا الْجَارُودُ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَقَالُوا: نَرُدُّ الْمُلْكَ فِي الْمُنْذِرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَكَانَ يُسَمَّى الْغَرُورُ. فَلَمَّا أَسْلَمَ كَانَ يَقُولُ: أَنَا الْمَغْرُورُ، وَلَسْتُ بِالْغَرُورِ.

وَخَرَجَ الْحُطَمُ بْنُ ضُبَيْعَةَ أَخُو بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْمُرْتَدِّينَ مِمَّنْ لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا، حَتَّى نَزَلَ الْقَطِيفَ وَهَجَرَ، وَاسْتَغَوَوُا الْخَطَّ وَمَنْ بِهَا مِنَ الزُّطِّ وَالسَّبَابِجَةِ، وَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى دَارِينَ، وَبَعَثَ إِلَى جُوَاثَا فَحَصَرَ الْمُسْلِمِينَ، فَاشْتَدَّ الْحَصْرُ عَلَى مَنْ بِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَذَفَ، وَقَدْ قَتَلَهُمُ الْجُوعُ:

أَلَا أَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ رَسُولًا ... وَفِتْيَانَ الْمَدِينَةِ أَجْمَعِينَا

فَهَلْ لَكُمُ إِلَى قَوْمٍ كِرَامٍ ... قُعُودٍ فِي جُوَاثَا مُحْصَرِينَا

كَأَنَّ دِمَاءَهُمْ فِي كُلِّ فَجٍّ ... شُعَاعُ الشَّمْسِ يَغْشَى النَّاظِرِينَا

تَوَكَّلْنَا عَلَى الرَّحْمَنِ إِنَّا ... وَجَدْنَا النَّصْرَ لِلْمُتَوَكِّلِينَا

وَكَانَ سَبَبُ اسْتِنْقَاذِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ إِيَّاهُمْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ قَدْ بَعَثَهُ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ بِالْبَحْرَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ بِحِيَالِ الْيَمَامَةِ لَحِقَ بِهِ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيُّ فِي مُسْلِمَةِ بَنِي حَنِيفَةَ، وَلَحِقَ بِهِ أَيْضًا قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ، وَأَعْطَاهُ بَدَلَ مَا كَانَ قُسِمَ مِنَ الصَّدَقَةِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْضَمَّ إِلَيْهِ عَمْرٌو وَالْأَبْنَاءُ وَسَعْدُ بْنُ تَمِيمٍ، وَالرَّبَابُ أَيْضًا لَحِقَتْهُ فِي مِثْلِ عُدَّتِهِ، فَسَلَكَ بِهِمُ الدَّهْنَاءَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي بُحْبُوحَتِهَا نَزَلَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالنُّزُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>