فِي اللَّيْلِ، فَنَفَرَتْ إِبِلُهُمْ بِأَحْمَالِهَا، فَمَا بَقِيَ عِنْدَهُمْ بَعِيرٌ وَلَا زَادٌ وَلَا مَاءٌ، فَلَحِقَهُمْ مِنَ الْغَمِّ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَوَصَّى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَدَعَاهُمُ الْعَلَاءُ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي غَلَبَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْغَمِّ؟ فَقَالُوا: كَيْفَ نُلَامُ وَنَحْنُ إِنْ بَلَغْنَا غَدًا لَمْ تُحْمَ الشَّمْسُ حَتَّى نَهْلِكَ؟ ! فَقَالَ: لَنْ تُرَاعُوا، أَنْتُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنْصَارُ اللَّهِ، فَأَبْشِرُوا، فَوَاللَّهِ لَنْ تُخْذَلُوا.
فَلَمَّا صَلَّوُا الصُّبْحَ دَعَا الْعَلَاءُ وَدَعَوْا مَعَهُ، فَلَمَعَ لَهُمُ الْمَاءُ، فَمَشَوْا إِلَيْهِ وَشَرِبُوا وَاغْتَسَلُوا. فَمَا تَعَالَى النَّهَارُ حَتَّى أَقْبَلَتِ الْإِبِلُ تُجْمَعُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَأَنَاخَتْ إِلَيْهِمْ فَسَقَوْهَا. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِيهِمْ، فَلَمَّا سَارُوا عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ قَالَ لِمِنْجَابِ بْنِ رَاشِدٍ: كَيْفَ عِلْمُكَ بِمَوْضِعِ الْمَاءِ؟ قَالَ: عَارِفٌ بِهِ. فَقَالَ لَهُ: كُنْ مَعِي حَتَّى تُقِيمَنِي عَلَيْهِ. قَالَ: فَرَجَعْتُ بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَلَمْ نَجِدْ إِلَّا غَدِيرَ الْمَاءِ، فَقُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ لَوْلَا الْغَدِيرُ لَأَخْبَرْتُكَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَكَانُ، وَمَا رَأَيْتُ بِهَذَا الْمَكَانِ مَاءً قَبْلَ الْيَوْمِ، وَإِذَا إِدَاوَةٌ مَمْلُوَّةٌ مَاءً. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَذَا وَاللَّهِ الْمَكَانُ، وَلِهَذَا رَجَعْتُ بِكَ، وَمَلَأْتُ إِدَاوَتِي ثُمَّ وَضَعْتُهَا عَلَى شَفِيرِ الْغَدِيرِ وَقُلْتُ: إِنْ كَانَ مَنَّا مِنَ الْمَنِّ عَرَفْتُهُ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا عَرَفْتُهُ، فَإِذَا مَنٌّ مِنَ الْمَنِّ. فَحَمِدَ اللَّهَ.
ثُمَّ سَارُوا فَنَزَلُوا بِهَجَرَ، وَأَرْسَلَ الْعَلَاءُ إِلَى الْجَارُودِ يَأْمُرُهُ أَنْ يَنْزِلَ بِعَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى الْحُطَمِ مِمَّا يَلِيهِ، وَسَارَ هُوَ فِيمَنْ مَعَهُ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ مِمَّا يَلِي هَجَرَ، فَاجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ كُلُّهُمْ إِلَى الْحُطَمِ إِلَّا أَهْلَ دَارِينَ، وَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْعَلَاءِ، وَخَنْدَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَالْمُشْرِكُونَ، وَكَانُوا يَتَرَاوَحُونَ الْقِتَالَ وَيَرْجِعُونَ إِلَى خَنْدَقِهِمْ، فَكَانُوا كَذَلِكَ شَهْرًا. فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ ضَوْضَاءَ هَزِيمَةٍ أَوْ قِتَالٍ، فَقَالَ الْعَلَاءُ: مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَذْفٍ: أَنَا، فَخَرَجَ حَتَّى دَنَا مِنْ خَنْدَقِهِمْ، فَأَخَذُوهُ. وَكَانَتْ أُمُّهُ عِجْلِيَّةً، فَجَعَلَ يُنَادِي: يَا أَبْجَرَاهُ! فَجَاءَ أَبْجَرُ بْنُ بُجَيْرٍ فَعَرَفَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: عَلَامَ أُقْبِلُ وَحَوْلِي عَسَاكِرُ مِنْ عِجْلٍ وَتَيْمِ اللَّاتِ وَغَيْرِهِمَا؟ فَخَلَّصَهُ، فَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ بِئْسَ ابْنُ أُخْتٍ أَتَيْتَ اللَّيْلَةَ أَخْوَالَكَ. فَقَالَ: دَعْنِي مِنْ هَذَا وَأَطْعِمْنِي؛ فَقَدْ مُتُّ جُوعًا. فَقَرَّبَ لَهُ طَعَامًا فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: زَوِّدْنِي وَاحْمِلْنِي، يَقُولُ هَذَا لِرَجُلٍ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ السُّكْرُ، فَحَمَلَهُ عَلَى بَعِيرٍ وَزَوَّدَهُ وَجَوَّزَهُ، فَدَخَلَ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْقَوْمَ سُكَارَى، فَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ، فَوَضَعُوا فِيهِمُ السَّيْفَ كَيْفَ شَاءُوا، وَهَرَبَ الْكُفَّارُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute