للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُ رِقَّةً، فَأَوْمَأَتْ إِلَى خَادِمِهَا فَدَعَتْهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ عُذْرَهُ حَتَّى رَضِيَ عَنْهُ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى كِنْدَةَ. فَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَسِرْ إِلَى عَمَلِهِ، ثُمَّ سَارَ بَعْدَهُ» .

وَكَانَ سَبَبُ رِدَّةِ كِنْدَةَ وَإِجَابَتِهِمُ الْأَسْوَدَ الْكَذَّابَ حَتَّى لَعَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُلُوكَ الْأَرْبَعَةَ مِنْهُمْ - أَنَّهُمْ لَمَّا أَسْلَمُوا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُوضَعَ بَعْضُ صَدَقَةِ حَضْرَمَوْتَ فِي كِنْدَةَ، وَبَعْضُ صَدَقَةِ كِنْدَةَ فِي حَضْرَمَوْتَ، وَبَعْضُ صَدَقَةِ حَضْرَمَوْتَ فِي السَّكُونِ، وَبَعْضُ صَدَقَةِ السَّكُونِ فِي حَضْرَمَوْتَ، فَقَالَ بَعْضُ بَنِي وَلَيْعَةَ: مِنْ كِنْدَةَ لِحَضْرَمَوْتَ لَيْسَ لَنَا ظَهْرٌ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تَبْعَثُوا إِلَيْنَا بِذَلِكَ عَلَى ظَهْرٍ. قَالُوا: فَإِنَّا نَنْظُرُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ ظَهْرٌ فَعَلْنَا. فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ بَنُو وَلَيْعَةَ: أَبْلِغُونَا كَمَا وَعَدْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! فَقَالُوا: إِنْ لَكُمْ ظَهْرًا فَاحْتَمِلُوا، فَقَالُوا لِزِيَادٍ: أَنْتَ مَعَهُمْ عَلَيْنَا. فَأَبَى الْحَضْرَمِيُّونَ، وَلَحَّ الْكِنْدِيُّونَ وَرَجَعُوا إِلَى دَارِهِمْ، وَتَرَدَّدُوا فِي أَمْرِهِمْ، وَأَمْسَكَ عَنْهُمْ زِيَادٌ انْتِظَارًا لِلْمُهَاجِرِ.

وَكَانَ الْمُهَاجِرُ لَمَّا تَأَخَّرَ بِالْمَدِينَةِ قَدِ اسْتَخْلَفَ زِيَادًا عَلَى عَمَلِهِ، وَسَارَ الْمُهَاجِرُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى عَمَلِهِ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ أَيْضًا، فَنَزَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأَسْوَدِ، وَالْآخَرُ عَلَى وَائِلٍ، وَكَانَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ قَدْ وَلِيَ صَدَقَاتِ بَنِي عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ مِنْ كِنْدَةَ بِنَفْسِهِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ انْتَهَى مِنْهُمْ شَيْطَانُ بْنُ حُجْرٍ، فَأَخَذَ مِنْهُمْ بَكْرَةً وَوَسَمَهَا، فَإِذَا النَّاقَةُ لِلْعَدَّاءِ بْنِ حُجْرٍ أَخِي شَيْطَانٍ، وَكَانَ أَخُوهُ قَدْ أُوهِمَ حِينَ أَخْرَجَهَا، وَكَانَ اسْمُهَا شَذْرَةً، وَظَنَّهَا غَيْرَهَا. فَقَالَ الْعَدَّاءُ: هَذِهِ نَاقَتِي. فَقَالَ شَيْطَانٌ: صَدَقَ، فَأَطْلِقْهَا وَخُذْ غَيْرَهَا. فَاتَّهَمَهُ زِيَادٌ بِالْكُفْرِ وَمُبَاعَدَةِ الْإِسْلَامِ. فَمَنَعَهُمَا عَنْهَا وَقَالَ: صَارَتْ فِي حَقِّ اللَّهِ. فَلَجَأَ فِي أَخْذِهَا، فَقَالَ لَهَا: لَا تَكُونَنَّ شَذْرَةً عَلَيْكُمْ كَالْبَسُوسِ. فَنَادَى الْعَدَّاءُ: يَا آلَ عَمْرٍو، أُضَامُ وَأُضْطَهَدُ! إِنَّ الذَّلِيلَ مَنْ أُكِلَ فِي دَارِهِ! وَنَادَى حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، فَأَقْبَلَ إِلَى زِيَادٍ وَهُوَ وَاقِفٌ، فَقَالَ: أَطْلِقْ بَكْرَةَ الرَّجُلِ وَخُذْ غَيْرَهَا. فَقَالَ زِيَادٌ: مَا لِي إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ. فَقَالَ حَارِثَةُ: ذَاكَ إِذَا كُنْتَ يَهُودِيًّا، وَأَطْلَقَ عِقَالَهَا وَبَعَثَهَا وَقَامَ دُونَهَا، فَأَمَرَ زِيَادٌ شَبَابًا مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَالسَّكُونِ فَمَنَعُوهُ وَكَتَّفُوهُ، وَكَتَّفُوا أَصْحَابَهُ وَأَخَذُوا الْبَكْرَةَ، وَتَصَايَحَتْ كِنْدَةُ، وَغَضِبَتْ بَنُو مُعَاوِيَةَ لِحَارِثَةَ وَأَظْهَرُوا أَمْرَهُمْ، وَغَضِبَتْ حَضْرَمَوْتُ وَالسَّكُونُ لِزِيَادٍ، وَتَوَافَى عَسْكَرَانِ عَظِيمَانِ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَلَمْ يُحْدِثْ بَنُو مُعَاوِيَةَ شَيْئًا لِمَكَانِ أُسَرَائِهِمْ، وَلَمْ يَجِدْ أَصْحَابُ زِيَادٍ سَبِيلًا يَتَعَلَّقُونَ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَهُمْ زِيَادٌ بِوَضْعِ السِّلَاحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>