فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَطَلَبُوا أُسَرَاءَهُمْ فَلَمْ يُطْلِقْهُمْ، وَنَهَدَ إِلَيْهِمْ لَيْلًا فَقَتَلَ مِنْهُمْ وَتَفَرَّقُوا، فَلَمَّا تَفَرَّقُوا أَطْلَقَ حَارِثَةَ وَمَنْ مَعَهُ. فَلَمَّا رَجَعَ الْأَسْرَى إِلَى أَصْحَابِهِمْ حَرَّضُوهُمْ عَلَى زِيَادٍ وَمَنْ مَعَهُ، وَاجْتَمَعَ مِنْهُمْ عَسْكَرٌ كَثِيرٌ، وَنَادَوْا بِمَنْعِ الصَّدَقَةِ، فَأَرْسَلَ الْحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ، وَسَكَنَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، فَأَقَامُوا بَعْدَ ذَلِكَ يَسِيرًا.
ثُمَّ إِنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ مِنْ كِنْدَةَ نَزَلُوا الْمَحَاجِرَ، وَهِيَ أَحْمَاءٌ حَمَوْهَا، فَنَزَلَ جَمَدٌ مَحْجَرًا، وَمِخْوَصٌ مَحْجَرًا، وَمِشْرَحٌ مَحْجَرًا، وَأَبْضَعَةُ مَحْجَرًا، وَأُخْتُهُمُ الْعَمَرَّدَةُ مَحْجَرًا، وَهُمُ الْمُلُوكُ الْأَرْبَعَةُ رُؤَسَاءُ عَمْرٍو الَّذِينَ لَعَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ ذُكِرُوا قَبْلُ. وَنَزَلَتْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَحَاجِرَهَا، فَنَزَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ مَحْجَرًا، وَالسِّمْطُ بْنُ الْأَسْوَدِ مَحْجَرًا، وَأَطْبَقَتْ بَنُو مُعَاوِيَةَ كُلُّهَا عَلَى مَنْعِ الصَّدَقَةِ، إِلَّا شُرَحْبِيلَ بْنَ السِّمْطِ وَابْنَهُ، فَإِنَّهُمَا قَالَا لِبَنِي مُعَاوِيَةَ: إِنَّهُ لَقَبِيحٌ بِالْأَحْرَارِ التَّنَقُّلُ، إِنَّ الْكِرَامَ لَيَلْزَمُونَ الشُّبْهَةَ فَيَتَكَرَّمُونَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى أَوْضَحَ مِنْهَا مَخَافَةَ الْعَارِ، فَكَيْفَ الِانْتِقَالُ مِنَ الْأَمْرِ الْحَسَنِ الْجَمِيلِ وَالْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ وَالْقَبِيحِ! اللَّهُمَّ إِنَّا نُمَالِئُ قَوْمَنَا عَلَى ذَلِكَ. وَانْتَقَلَ وَنَزَلَ مَعَ زِيَادٍ وَمَعَهُمَا امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَابِسٍ، وَقَالَا لَهُ: بَيِّتِ الْقَوْمَ؛ فَإِنَّ أَقْوَامًا مِنَ السَّكَاسِكِ وَالسَّكُونِ قَدِ انْضَمُّوا إِلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ شُذَّاذٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ خَشِينَا أَنْ تَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنَّا إِلَيْهِمْ. فَأَجَابَهُمْ إِلَى تَبْيِيتِ الْقَوْمِ، فَاجْتَمَعُوا وَطَوَّقُوهُمْ فِي مَحَاجِرِهِمْ، فَوَجَدُوهُمْ جُلُوسًا حَوْلَ نِيرَانِهِمْ، فَأَكَبُّوا عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَفِيهِمُ الْعَدَدُ وَالشَّوْكَةُ - مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ، فَأَصَابُوا مِشْرَحًا وَمِخْوَصًا وَجَمَدًا وَأَبْضَعَةَ وَأُخْتَهُمُ الْعَمَرَّدَةَ، وَأَدْرَكَتْهُمْ لَعْنَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَتَلُوا فَأَكْثَرُوا، وَهَرَبَ مَنْ أَطَاقَ الْهَرَبَ، وَعَادَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ بِالْأَمْوَالِ وَالسَّبْيِ، وَاجْتَازُوا بِالْأَشْعَثِ، فَثَارَ فِي قَوْمِهِ، فَاسْتَنْقَذَهُمْ وَجَمَعَ الْجُمُوعَ.
وَكَتَبَ زِيَادٌ إِلَى الْمُهَاجِرِ يَسْتَحِثُّهُ، فَلَقِيَهُ الْكِتَابُ بِالطَّرِيقِ فَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْجُنْدِ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، وَتَعَجَّلَ فِي سَرَعَانِ النَّاسِ، وَقَدِمَ عَلَى زِيَادٍ وَسَارَ إِلَى كِنْدَةَ، فَالْتَقَوْا بِمَحْجَرِ الزُّرْقَانِ فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَتْ كِنْدَةُ وَقُتِلَتْ، وَخَرَجُوا هُرَّابًا فَالْتَجَئُوا إِلَى النُّجَيْرِ، وَقَدْ رَمُّوهُ وَأَصْلَحُوهُ. وَسَارَ الْمُهَاجِرُ فَنَزَلَ عَلَيْهِمْ، وَاجْتَمَعَتْ كِنْدَةُ فِي النُّجَيْرِ فَتَحَصَّنُوا بِهِ، فَحَصَرَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَقَدِمَ إِلَيْهِمْ عِكْرِمَةُ، فَاشْتَدَّ الْحَصْرُ عَلَى كِنْدَةَ، وَتَفَرَّقَتِ السَّرَايَا فِي طَلَبِهِمْ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ، وَخَرَجَ مَنْ بِالنُّجَيْرِ مِنْ كِنْدَةَ وَغَيْرِهِمْ، فَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ فَكَثُرَ فِيهِمُ الْقَتْلُ، فَرَجَعُوا إِلَى حِصْنِهِمْ، وَخَشَعَتْ نُفُوسُهُمْ وَخَافُوا الْقَتْلَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute