وَخَافَ الرُّؤَسَاءُ عَلَى نُفُوسِهِمْ. فَخَرَجَ الْأَشْعَثُ وَمَعَهُ تِسْعَةُ نَفَرٍ، فَطَلَبُوا مِنْ زِيَادٍ أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ وَأَهْلِيَهُمْ عَلَى أَنْ يَفْتَحُوا لَهُ الْبَابَ. فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ وَقَالَ: اكْتُبُوا مَا شِئْتُمْ ثُمَّ هَلُمُّوا الْكِتَابَ حَتَّى أَخْتِمَهُ. فَفَعَلُوا، وَنَسِيَ الْأَشْعَثُ أَنْ يَكْتُبَ نَفْسَهُ لِأَنَّ جَحْدَمًا وَثَبَ عَلَيْهِ بِسِكِّينٍ، فَقَالَ: تَكْتُبُنِي أَوْ أَقْتُلُكَ؟ فَكَتَبَهُ وَنَسِيَ نَفْسَهُ، فَفَتَحُوا الْبَابَ، فَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ فَلَمْ يَدَعُوا مُقَاتِلًا إِلَّا قَتَلُوهُ، وَضَرَبُوا أَعْنَاقَهُمْ صَبْرًا، وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ وَالسَّبْيَ. فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْهُمْ دَعَا الْأَشْعَثُ أُولَئِكَ النَّفَرَ وَالْكِتَابَ مَعَهُمْ فَعَرَضَهُمْ، فَأَجَارَ مَنْ فِي الْكِتَابِ، فَإِذَا الْأَشْعَثُ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَقَالَ الْمُهَاجِرُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَطَّأَ فَاكَ يَا أَشْعَثُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ! قَدْ كُنْتُ أَشْتَهِي أَنْ يُخْزِيَكَ اللَّهُ! وَشَدَّهُ كِتَافًا، فَقِيلَ لَهُ: أَخِّرْهُ وَسَيِّرْهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ؛ فَهُوَ أَعْلَمُ بِالْحُكْمِ فِيهِ. فَسَيَّرَهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ مَعَ السَّبْيِ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْحِصَارَ لَمَّا اشْتَدَّ عَلَى مَنْ بِالنُّجَيْرِ نَزَلَ الْأَشْعَثُ إِلَى الْمُهَاجِرِ وَزِيَادٍ وَالْمُسْلِمِينَ، فَسَأَلَهُمُ الْأَمَانَ عَلَى دَمِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَقْدَمُوا بِهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ، عَلَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُمُ النُّجَيْرَ وَيُسَلِّمَ إِلَيْهِمْ مَنْ فِيهِ، وَغَدَرَ بِأَصْحَابِهِ، فَقَبِلُوا ذَلِكَ مِنْهُ، فَفَتَحَ لَهُمُ الْحِصْنَ، فَاسْتَنْزَلُوا مَنْ فِيهِ مِنَ الْمُلُوكِ فَقَتَلُوهُمْ وَأَوْثَقُوا الْأَشْعَثَ وَأَرْسَلُوهُ مَعَ السَّبْيِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَلْعَنُونَهُ وَيَلْعَنُهُ سَبَايَا قَوْمِهِ، وَسَمَّاهُ نِسَاءُ قَوْمِهِ عُرْفَ النَّارِ، وَهُوَ اسْمُ الْغَادِرِ عِنْدَهُمْ. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: مَا تَرَانِي أَصْنَعُ بِكَ؟ قَالَ: لَا أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنِّي أَقْتُلُكَ. قَالَ: فَأَنَا الَّذِي رَاوَضْتُ الْقَوْمَ فِي عَشْرَةٍ فَمَا يَحِلُّ دَمِي. قَالَ: إِنَّمَا وَجَبَ الصُّلْحُ بَعْدَ خَتْمِ الصَّحِيفَةِ عَلَى مَنْ فِيهَا، وَإِنَّمَا كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ مُرَاوِضًا. فَلَمَّا خَشِيَ الْقَتْلَ قَالَ: أَوَتَحْتَسِبُ فِيَّ خَيْرًا، فَتُطْلِقُ إِسَارِيْ وَتُقِيلُنِي عَثْرَتِي، وَتَفْعَلُ بِي مِثْلَ مَا فَعَلْتَ بِأَمْثَالِي، وَتَرُدُّ عَلَيَّ زَوْجَتِي؟ - وَقَدْ كَانَ خَطَبَ أُمَّ فَرْوَةَ أُخْتَ أَبِي بَكْرٍ لَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخَّرَهَا إِلَى أَنْ يَقْدَمَ الثَّانِيَةَ، فَمَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَارْتَدَّ - فَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ تَجِدُنِي خَيْرَ أَهْلِ بِلَادِي لِدِينِ اللَّهِ. فَحَقَنَ دَمَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ أَهْلَهُ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى فَتَحَ الْعِرَاقَ، وَقَسَّمَ الْغَنَائِمَ بَيْنَ النَّاسِ.
وَقِيلَ: إِنَّ عِكْرِمَةَ قَدِمَ بَعْدَ الْفَتْحِ، فَقَالَ زِيَادٌ وَالْمُهَاجِرُ لِمَنْ مَعَهُمَا: إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدِمُوا مَدَدًا لَكُمْ، فَأَشْرِكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ، فَفَعَلُوا وَأَشْرَكُوهُمْ.
وَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنَّهُ لَقَبِيحٌ بِالْعَرَبِ أَنْ يَمْلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَفَتَحَ الْأَعَاجِمَ. وَاسْتَشَارَ فِي فِدَاءِ سَبَايَا الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute