للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَيْهِمْ مِنَ الثِّنْيِ فَلَقِيَهُمْ بِالْوَلَجَةِ، وَكَمَنَ لَهُمْ، فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا أَشَدَّ مِنَ الْأَوَّلِ، حَتَّى ظَنَّ الْفَرِيقَانِ أَنَّ الصَّبْرَ قَدْ أُفْرِغَ، وَاسْتَبْطَأَ خَالِدٌ كَمِينَهُ، فَخَرَجُوا مِنْ نَاحِيَتَيْنِ، فَانْهَزَمَتِ الْأَعَاجِمُ، وَأَخَذَ خَالِدٌ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَالْكَمِينُ مِنْ خَلْفِهِمْ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَمَضَى الْأَنْدَرْزَعَزُّ مُنْهَزِمًا فَمَاتَ عَطَشًا، وَأَصَابَ خَالِدٌ ابْنًا لِجَابِرِ بْنِ وَائِلٍ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْوَلَجَةِ فِي صَفَرٍ، وَبَذَلَ الْأَمَانَ لِلْفَلَّاحِينَ، فَعَادُوا وَصَارُوا ذِمَّةً، وَسَبَى ذَرَارِيَّ الْمُقَاتِلَةِ وَمَنْ أَعَانَهُمْ.

ذِكْرُ وَقْعَةِ أُلَّيْسَ وَهُوَ عَلَى الْفُرَاتِ

لَمَّا أَصَابَ خَالِدٌ يَوْمَ الْوَلَجَةِ مَا أَصَابَ مِنْ نَصَارَى بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ الَّذِينَ أَعَانُوا الْفُرْسَ - غَضِبَ لَهُمْ نَصَارَى قَوْمِهِمْ، فَكَاتَبُوا الْفُرْسَ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى أُلَّيْسَ وَعَلَيْهِمْ عَبْدُ الْأَسْوَدِ الْعِجْلِيُّ، وَكَانَ مُسْلِمُو بَنِي عِجْلٍ، مِنْهُمْ: عُتْبَةُ بْنُ النَّهَّاسِ، وَسَعِيدُ بْنُ مُرَّةَ، وَفُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ، وَمَذْعُورُ بْنُ عَدِيٍّ، وَالْمُثَنَّى بْنُ لَاحِقٍ - أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى أُولَئِكَ النَّصَارَى. وَكَتَبَ أَرْدَشِيرُ إِلَى بَهْمَنْ جَاذَوَيْهِ، وَهُوَ بِقَشْيَنَاثَا، يَأْمُرُهُ بِالْقُدُومِ عَلَى نَصَارَى الْعَرَبِ بِأُلَّيْسَ، فَقَدِمَ بَهْمَنْ جَاذَوَيْهِ جَابَانَ إِلَيْهِمْ، وَأَمَرَهُ بِالتَّوَقُّفِ عَنِ الْمُحَارَبَةِ إِلَى أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ، وَرَجَعَ بَهْمَنْ جَاذَوَيْهِ إِلَى أَرْدَشِيرَ لِيُشَاوِرَهُ فِيمَا يَفْعَلُ، فَوَجَدَهُ مَرِيضًا، فَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ، فَاجْتَمَعَ عَلَى جَابَانَ نَصَارَى عِجْلٍ، وَتَيْمُ اللَّاتِ وَضُبَيْعَةُ وَجَابِرُ بْنُ بُجَيْرٍ وَعَرَبُ الضَّاحِيَةِ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ.

وَكَانَ خَالِدٌ لَمَّا بَلَغَهُ تَجَمُّعُ نَصَارَى بَكْرٍ وَغَيْرِهِمْ سَارَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَشْعُرُ بِدُنُوِّ جَابَانَ. فَلَمَّا طَلَعَ جَابَانُ بِأُلَّيْسَ قَالَتِ الْعَجَمُ لَهُ: أَنُعَاجِلُهُمْ أَمْ نُغَدِّي النَّاسَ وَلَا نُرِيهِمْ أَنَّا نَحْفَلُ بِهِمْ، ثُمَّ نُقَاتِلُهُمْ؟ فَقَالَ جَابَانُ: إِنْ تَرَكُوكُمْ فَتَهَاوَنُوا بِهِمْ. فَعَصَوْهُ وَبَسَطُوا الطَّعَامَ، وَانْتَهَى خَالِدٌ إِلَيْهِمْ وَحَطَّ الْأَثْقَالَ، فَلَمَّا وُضِعَتْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ، وَطَلَبَ مُبَارَزَةَ عَبْدِ الْأَسْوَدِ وَابْنِ أَبْجَرَ وَمَالِكِ بْنِ قَيْسٍ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ بَيْنِهِمْ، فَقَتَلَهُ خَالِدٌ وَأَعْجَلَ الْأَعَاجِمَ عَنْ طَعَامِهِمْ. فَقَالَ لَهُمْ جَابَانُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ، وَاللَّهِ مَا دَخَلَتْنِي مِنْ مُقَدَّمِ جَيْشٍ وَحْشَةٌ إِلَّا هَذَا؟ وَقَالَ لَهُمْ: حَيْثُ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى الْأَكْلِ فَسُمُّوا الطَّعَامَ، فَإِنْ ظَفِرْتُمْ فَأَيْسَرُ هَالِكٍ، وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>