وَأَنْزِلْهُمْ فِي ثَرْوَةِ عَسْكَرِكَ، وَامْنَعْ مَنْ قِبَلَكَ مِنْ مُحَادَثَتِهِمْ، وَكُنْ أَنْتَ الْمُتَوَلِّي لِكَلَامِهِمْ، وَلَا تَجْعَلْ سِرَّكَ لِعَلَانِيَتِكَ فَيَخْلِطُ أَمْرُكُ، وَإِذَا اسْتَشَرْتَ فَاصْدُقِ الْحَدِيثَ تُصْدَقِ الْمَشُورَةَ، وَلَا تُخْزِنْ عَنِ الْمُشِيرِ خَبَرَكَ فَتُؤْتَى مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ، وَاسْمِرْ بِاللَّيْلِ فِي أَصْحَابِكَ تَأْتِكَ الْأَخْبَارُ وَتَنْكَشِفْ عِنْدَكَ الْأَسْتَارُ، وَأَكْثِرْ حَرَسَكَ وَبَدِّدْهُمْ فِي عَسْكَرِكَ، وَأَكْثِرْ مُفَاجَأَتَهُمْ فِي مَحَارِسِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُمْ بِكَ، فَمَنْ وَجَدْتَهُ غَفَلَ عَنْ مَحْرَسِهِ فَأَحْسِنْ أَدَبَهُ وَعَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِفْرَاطٍ، وَأَعْقِبْ بَيْنَهُمْ بِاللَّيْلِ، وَاجْعَلِ النَّوْبَةَ الْأُولَى أَطْوَلَ مِنَ الْأَخِيرَةِ؛ فَإِنَّهَا أَيْسَرُهُمَا لِقُرْبِهَا مِنَ النَّهَارِ، وَلَا تَخَفْ مِنْ عُقُوبَةِ الْمُسْتَحِقِّ، وَلَا تَلِجَّنَّ فِيهَا، وَلَا تُسْرِعْ إِلَيْهَا، وَلَا تَخْذُلْهَا مَدْفَعًا، وَلَا تَغْفُلْ عَنْ أَهْلِ عَسْكَرِكَ فَتُفْسِدَهُ، وَلَا تَجَسَّسْ عَلَيْهِمْ فَتَفْضَحَهُمْ، وَلَا تَكْشِفِ النَّاسَ عَنْ أَسْرَارِهِمْ، وَاكْتَفِ بِعَلَانِيَتِهِمْ، وَلَا تُجَالِسِ الْعَبَّاثِينَ، وَجَالِسْ أَهْلَ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ، وَاصْدُقِ اللِّقَاءَ، وَلَا تَجْبُنْ فَيَجْبُنَ النَّاسُ، وَاجْتَنِبِ الْغُلُولَ فَإِنَّهُ يُقَرِّبُ الْفَقْرَ وَيَدْفَعُ النَّصْرَ، وَسَتَجِدُونَ أَقْوَامًا حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوَامِعِ فَدَعْهُمْ وَمَا حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ.
وَهَذِهِ مِنْ أَحْسَنِ الْوَصَايَا وَأَكْثَرِهَا نَفْعًا لِوُلَاةِ الْأَمْرِ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَعْمَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ عَلَى مَنِ اجْتَمَعَ وَأَمَرَهُ بِحِمْصَ، وَسَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى بَابٍ مِنَ الْبَلْقَاءِ فَقَاتَلَهُ أَهْلُهُ ثُمَّ صَالَحُوهُ، فَكَانَ أَوَّلَ صُلْحٍ فِي الشَّامِ.
وَاجْتَمَعَ لِلرُّومِ جَمْعٌ بِالْعَرَبَةِ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ فَهَزَمَهُمْ، فَكَانَ أَوَّلَ قِتَالٍ بِالشَّامِ بَعْدَ سَرِيَّةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. ثُمَّ أَتَوُا الدَّائِنَ فَهَزَمَهُمْ أَبُو أُمَامَةَ أَيْضًا، ثُمَّ مَرْجَ الصُّفَّرِ اسْتُشْهِدَ فِيهَا ابْنٌ لِخَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَقِيلَ: اسْتُشْهِدَ فِيهَا خَالِدٌ أَيْضًا، وَقِيلَ: بَلْ سَلِمَ وَانْهَزَمَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ تَوْجِيهَ الْأُمَرَاءِ بِالْجُنُودِ بَادَرَ لِقِتَالِ الرُّومِ، فَاسْتَطْرَدَ لَهُ بَاهَانُ فَاتَّبَعَهُ خَالِدٌ وَمَعَهُ ذُو الْكَلَاعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute