للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَغْيُ، أَخْلِصُوا جِهَادَكُمْ وَأَرِيدُوا اللَّهَ بِعَمَلِكُمْ، فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ، وَلَا تُقَاتِلُوا قَوْمًا عَلَى نِظَامٍ وَتَعْبِيَةٍ وَأَنْتُمْ مُتَسَانِدُونَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ وَلَا يَنْبَغِي، وَإِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ لَوْ يَعْلَمُ عِلْمَكُمْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَذَا، فَاعْمَلُوا فِيمَا لَمْ تُؤْمَرُوا بِهِ بِالَّذِي تَرَوْنَ أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْ وَالِيكُمْ وَمَحَبَّتِهِ. قَالُوا: هَاتِ، فَمَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَبْعَثْنَا إِلَّا وَهُوَ يَرَى أَنَّا سَنَتَيَاسَرُ، وَلَوْ عَلِمَ بِالَّذِي كَانَ وَيَكُونُ، لَقَدْ جَمَعَكُمْ، إِنَّ الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ أَشَدُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِمَّا قَدْ غَشِيَهُمْ، وَأَنْفَعُ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ أَمْدَادِهِمْ، وَلَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الدُّنْيَا فَرَّقَتْ بَيْنَكُمْ، فَاللَّهَ اللَّهَ! فَقَدْ أُفْرِدَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِبَلَدٍ لَا يَنْتَقِصُهُ مِنْهُ إِنْ دَانَ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَلَا يَزِيدُهُ عَلَيْهِ إِنْ دَانُوا لَهُ. إِنَّ تَأْمِيرَ بَعْضِكُمْ لَا يَنْتَقِصُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا عِنْدَ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلُمُّوا، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ تَهَيَّئُوا، وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ، إِنْ رَدَدْنَاهُمْ إِلَى خَنْدَقِهِمُ الْيَوْمَ لَمْ نَزَلْ نَرُدُّهُمْ، وَإِنْ هَزَمُونَا لَمْ نُفْلِحْ بَعْدَهَا. فَهَلُمُّوا فَلْنَتَعَاوَرِ الْإِمَارَةَ، فَلْيَكُنْ بَعْضُنَا الْيَوْمَ، وَالْآخَرُ بَعْدَ غَدٍ، حَتَّى تَتَأَمَّرُوا كُلُّكُمْ، وَدَعُونِي أَتَأَمَّرُ الْيَوْمَ.

فَأَمَّرُوهُ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهَا كَخَرَجَاتِهِمْ، وَأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَطُولُ.

فَخَرَجَتِ الرُّومُ فِي تَعْبِيَةٍ لَمْ يَرَ الرَّاءُونَ مِثْلَهَا قَطُّ، وَخَرَجَ خَالِدٌ فِي تَعْبِيَةٍ لَمْ تُعِبَّهَا الْعَرَبُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ كُرْدُوسًا إِلَى الْأَرْبَعِينَ، وَقَالَ: إِنَّ عَدُوَّكُمْ كَثِيرٌ، وَلَيْسَ تَعْبِيَةً أَكْثَرَ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ مِنَ الْكَرَادِيسِ. فَجَعَلَ الْقَلْبَ كَرَادِيسَ، وَأَقَامَ فِيهِ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَجَعَلَ الْمَيْمَنَةَ كَرَادِيسَ وَعَلَيْهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وَجَعَلَ الْمَيْسَرَةَ كَرَادِيسَ وَعَلَيْهَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ عَلَى كُرْدُوسٍ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو، وَجَعَلَ عَلَى كُلِّ كُرْدُوسٍ رَجُلًا مِنَ الشُّجْعَانِ، وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَكَانَ الْقَاصُّ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَعَلَى الطَّلَائِعِ قَبَاثُ بْنُ أَشْيَمَ، وَعَلَى الْأَقْبَاضِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ.

وَقَالَ رَجُلٌ لِخَالِدٍ: مَا أَكْثَرَ الرُّومَ وَأَقَلَّ الْمُسْلِمِينَ! فَقَالَ خَالِدٌ: مَا أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ وَأَقَلَّ الرُّومِ، إِنَّمَا تَكْثُرُ الْجُنُودُ بِالنَّصْرِ وَتَقِلُّ بِالْخِذْلَانِ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ الْأَشْقَرَ - يَعْنِي

<<  <  ج: ص:  >  >>