فِي نَفْسِكَ وَمُلْكِكَ دَعْنِي أَقِمْ بِعَسْكَرِي وَأُسَرِّحِ الْجَالِينُوسَ، فَإِنْ تَكُنْ لَنَا فَذَلِكَ، وَإِلَّا بَعَثْنَا غَيْرَهُ، حَتَّى إِذَا لَمْ نَجِدْ بُدًّا صَبَرْنَا لَهُمْ وَقَدْ وَهَّنَّاهُمْ وَنَحْنُ جَامُّونَ، فَإِنِّي لَا أَزَالُ مَرْجُوًّا فِي أَهْلِ فَارِسَ مَا لَمْ أُهْزَمْ. فَأَبَى إِلَّا أَنْ يَسِيرَ، فَخَرَجَ حَتَّى ضَرَبَ عَسْكَرَهُ بِسَابَاطَ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْمَلِكِ لِيُعْفِيَهُ فَأَبَى.
وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ إِلَى سَعْدٍ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: لَا يَكْرُبَنَّكَ مَا يَأْتِيكَ عَنْهُمْ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ، وَابْعَثْ إِلَيْهِ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْمُنَاظَرَةِ وَالرَّأْيِ وَالْجَلَدِ يَدْعُونَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ دُعَاءَهُمْ تَوْهِينًا لَهُمْ.
فَأَرْسَلَ سَعْدٌ نَفَرًا، مِنْهُمْ: النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ، وَبُسْرُ بْنُ أَبِي رُهْمٍ، وَحَمَلَةُ بْنُ حَوِيَّةَ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَفُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ، وَعَدِيُّ بْنُ سُهَيْلٍ، وَعُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ زُرَارَةَ بْنِ النَّبَّاشِ الْأَسَدِيُّ، وَالْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ حَسَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَالْمُعَنَّى بْنُ حَارِثَةَ - إِلَى يَزْدَجِرْدَ دُعَاةً، فَخَرَجُوا مِنَ الْعَسْكَرِ فَقَدِمُوا عَلَى يَزْدَجِرْدَ، وَطَوَوْا رُسْتُمَ وَاسْتَأْذَنُوا عَلَى يَزْدَجِرْدَ فَحُبِسُوا، وَأَحْضَرَ وُزَرَاءَهُ وَرُسْتُمَ مَعَهُمْ، وَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا يَصْنَعُ وَيَقُولُهُ لَهُمْ.
وَاجْتَمَعَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ وَتَحْتَهُمْ خُيُولٌ كُلُّهَا صُهَّالٌ، وَعَلَيْهِمُ الْبُرُودُ وَبِأَيْدِيهِمُ السِّيَاطُ، فَأَذِنَ لَهُمْ، وَأَحْضَرَ التُّرْجُمَانَ وَقَالَ لَهُ: سَلْهُمْ مَا جَاءَ بِكُمْ وَمَا دَعَاكُمْ إِلَى غَزْوِنَا وَالْوَلُوعِ بِبِلَادِنَا؟ أَمِنْ أَجْلِ أَنَّنَا تَشَاغَلْنَا عَنْكُمُ اجْتَرَأْتُمْ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ لِأَصْحَابِهِ: إِنْ شِئْتُمْ تَكَلَّمْتُ عَنْكُمْ، وَمَنْ شَاءَ آثَرْتُهُ. فَقَالُوا: بَلْ تَكَلَّمْ. فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ رَحِمَنَا فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولًا يَأْمُرُنَا بِالْخَيْرِ وَيَنْهَانَا عَنِ الشَّرِّ، وَوَعَدَنَا عَلَى إِجَابَتِهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلَمْ يَدْعُ قَبِيلَةً إِلَّا وَقَارَبَهُ مِنْهَا فِرْقَةٌ وَتَبَاعَدَ عَنْهُ بِهَا فِرْقَةٌ، ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يَنْبِذَ إِلَى مَنْ خَالَفَهُ مِنَ الْعَرَبِ، فَبَدَأَ بِهِمْ، فَدَخَلُوا مَعَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: مُكْرَهٌ عَلَيْهِ فَاغْتَبَطَ، وَطَائِعٌ أَتَاهُ فَازْدَادَ، فَعَرَفْنَا جَمِيعًا فَضْلَ مَا جَاءَ بِهِ عَلَى الَّذِي كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالضِّيقِ، ثُمَّ أَمَرَنَا أَنْ نَبْدَأَ بِمَنْ يَلِينَا مِنَ الْأُمَمِ فَنَدْعُوَهُمْ إِلَى الْإِنْصَافِ، فَنَحْنُ نَدْعُوكُمْ إِلَى دِينِنَا، وَهُوَ دِينٌ حَسَّنَ الْحَسَنَ وَقَبَّحَ الْقَبِيحَ كُلَّهُ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَأَمْرٌ مِنَ الشَّرِّ هُوَ أَهْوَنُ مِنْ آخَرَ شَرٌّ مِنْهُ: الْجِزْيَةُ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَالْمُنَاجَزَةُ، فَإِنْ أَجَبْتُمْ إِلَى دِينِنَا خَلَّفْنَا فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ، وَأَقَمْنَا عَلَى أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute