تَحْكُمُوا بِأَحْكَامِهِ، وَنَرْجِعُ عَنْكُمْ وَشَأْنُكُمْ وَبِلَادَكُمْ، وَإِنْ بَذَلْتُمُ الْجَزَاءَ قَبِلْنَا وَمَنَعْنَاكُمْ، وَإِلَّا قَاتَلْنَاكُمْ.
فَتَكَلَّمَ يَزْدَجِرْدُ فَقَالَ: إِنِّي لَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أُمَّةً أَشْقَى وَلَا أَقَلَّ عَدَدًا وَلَا أَسْوَأَ ذَاتَ بَيْنٍ مِنْكُمْ، قَدْ كُنَّا نُوكِلُ بِكُمْ قُرَى الضَّوَاحِي فَيَكْفُونَنَا أَمْرَكُمْ، وَلَا تَطْمَعُوا أَنْ تَقُومُوا لِفَارِسٍ، فَإِنْ كَانَ غَرَرٌ لَحِقَكُمْ فَلَا يَغُرَنَّكُمْ مِنَّا، وَإِنْ كَانَ الْجُهْدُ فَرَضْنَا لَكُمْ قُوتًا إِلَى خِصْبِكُمْ، وَأَكْرَمْنَا وُجُوهَكُمْ وَكَسَوْنَاكُمْ، وَمَلَّكْنَا عَلَيْكُمْ مَلِكًا يَرْفُقُ بِكُمْ.
فَأَسْكَتَ الْقَوْمَ، فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ زُرَارَةَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّ هَؤُلَاءِ رُءُوسُ الْعَرَبِ وَوُجُوهُهُمْ، وَهُمْ أَشْرَافٌ يَسْتَحْيُونَ مِنَ الْأَشْرَافِ، وَإِنَّمَا يُكْرِمُ الْأَشْرَافَ وَيُعَظِّمُ حَقَّهُمُ الْأَشْرَافُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا أُرْسِلُوا بِهِ قَالُوهُ، وَلَا كُلُّ مَا تَكَلَّمْتَ بِهِ أَجَابُوكَ عَلَيْهِ، فَجَاوِبْنِي لِأَكُونَ الَّذِي أُبْلِغُكَ وَهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى ذَلِكَ لِي، فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ سُوءِ الْحَالِ فَهِيَ عَلَى مَا وَصَفْتَ وَأَشَدُّ. ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ سُوءِ عَيْشِ الْعَرَبِ وَإِرْسَالِ اللَّهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِمْ نَحْوَ قَوْلِ النُّعْمَانِ، وَقِتَالِ مَنْ خَالَفَهُمْ أَوِ الْجِزْيَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اخْتَرْ إِنْ شِئْتَ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَأَنْتَ صَاغِرٌ، وَإِنْ شِئْتَ فَالسَّيْفُ، أَوْ تُسْلِمُ فَتُنْجِي نَفْسَكَ.
فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَقَتَلْتُكُمْ! لَا شَيْءَ لَكُمْ عِنْدِي. ثُمَّ اسْتَدْعَى بِوِقْرٍ مِنْ تُرَابٍ فَقَالَ: احْمِلُوهُ عَلَى أَشْرَافِ هَؤُلَاءِ، ثُمَّ سُوقُوهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الْمَدَائِنِ، ارْجِعُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ فَأَعْلِمُوهُ أَنِّي مُرْسِلٌ إِلَيْهِ رُسْتُمَ حَتَّى يَدْفِنَهُ وَيَدْفِنَكُمْ مَعَهُ فِي خَنْدَقِ الْقَادِسِيَّةِ، ثُمَّ أُورِدُهُ بِلَادَكُمْ حَتَّى أُشْغِلَكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ بِأَشَدَّ مِمَّا نَالَكُمْ مِنْ سَابُورَ.
فَقَامَ عَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو لِيَأْخُذَ التُّرَابَ وَقَالَ: أَنَا أَشْرَفُهُمْ، أَنَا سَيِّدُ هَؤُلَاءِ. فَحَمَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ وَخَرَجَ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا، وَأَخَذَ التُّرَابَ وَقَالَ لِسَعْدٍ: أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ أَقَالِيدَ مُلْكِهِمْ.
وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى جُلَسَاءِ الْمَلِكِ، وَقَالَ الْمَلِكُ لِرُسْتُمَ، وَقَدْ حَضَرَ عِنْدَهُ مِنْ سَابَاطَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ فِي الْعَرَبِ مِثْلَ هَؤُلَاءِ، مَا أَنْتُمْ بِأَحْسَنَ جَوَابًا مِنْهُمْ، وَلَقَدْ صَدَقَنِي الْقَوْمُ، لَقَدْ وُعِدُوا أَمْرًا لَيُدْرِكُنَّهُ أَوْ لَيَمُوتُنَّ عَلَيْهِ، عَلَى أَنِّي وَجَدْتُ أَفْضَلَهُمْ أَحْمَقَهُمْ حَيْثُ حَمَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute