التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ. فَقَالَ رُسْتُمُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُ أَعْقَلُهُمْ. وَتَطَيَّرَ إِلَى ذَلِكَ وَأَبْصَرَهَا دُونَ أَصْحَابِهِ، وَخَرَجَ رُسْتُمُ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ غَضْبَانَ كَئِيبًا، وَبَعَثَ فِي أَثَرِ الْوَفْدِ وَقَالَ لِثِقَتِهِ: إِنْ أَدْرَكَهُمُ الرَّسُولُ تَلَافَيْنَا أَرْضَنَا، وَإِنْ أَعْجَزَهُ سَلَبَكُمُ اللَّهُ أَرْضَكُمْ، فَرَجَعَ الرَّسُولُ مِنَ الْحِيرَةِ بِفَوَاتِهِمْ، فَقَالَ: ذَهَبَ الْقَوْمُ بِأَرْضِكُمْ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. وَكَانَ مُنَجِّمًا كَاهِنًا.
وَأَغَارَ سَوَادُ بْنُ مَالِكٍ التَّمِيمِيُّ بَعْدَ مَسِيرِ الْوَفْدِ إِلَى يَزْدَجِرْدَ عَلَى النِّجَافِ وَالْفِرَاضِ، فَاسْتَاقَ دَابَّةً مِنْ بَيْنِ بَغْلٍ وَحِمَارٍ وَثَوْرٍ وَأَوْقَرَهَا سُمْكًا، وَصَبَّحَ الْعَسْكَرَ، فَقَسَمَهُ سَعْدٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَهَذَا يَوْمُ الْحِيتَانِ، وَكَانَتِ السَّرَايَا تَسْرِي لِطَلَبِ اللُّحُومِ، فَإِنَّ الطَّعَامَ كَانَ كَثِيرًا عِنْدَهُمْ، فَكَانُوا يُسَمُّونَ الْأَيَّامَ بِهَا: يَوْمُ الْأَبَاقِرِ وَيَوْمُ الْحِيتَانِ. وَبَعَثَ سَعْدٌ سَرِيَّةً أُخْرَى فَأَغَارُوا فَأَصَابُوا إِبِلًا لِبَنِي تَغْلِبَ وَالنَّمِرِ وَاسْتَاقُوهَا وَمَنْ فِيهَا، فَنَحَرَ سَعْدٌ الْإِبِلَ وَقَسَمَهَا فِي النَّاسِ فَأَخْصَبُوا، وَأَغَارَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَلَى النَّهْرَيْنِ فَاسْتَاقَ مَوَاشِيَ كَثِيرَةً وَعَادَ.
وَسَارَ رُسْتُمُ مِنْ سَابَاطَ، وَجَمَعَ آلَةَ الْحَرْبِ وَبَعَثَ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ الْجَالِينُوسَ فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَخَرَجَ هُوَ فِي سِتِّينَ أَلْفًا، وَفِي سَاقَتِهِ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَجَعَلَ فِي مَيْمَنَتِهِ الْهُرْمُزَانَ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ مِهْرَانَ بْنَ بَهْرَامَ الرَّازِيَّ، وَقَالَ رُسْتُمُ لِلْمَلِكِ يُشَجِّعُهُ بِذَلِكَ: إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا الْقَوْمَ فَتَوَجَّهْنَا إِلَى مِلْكِهِمْ فِي دَارِهِمْ حَتَّى نُشْغِلَهُمْ فِي أَصْلِهِمْ وَبِلَادِهِمْ إِلَى أَنْ يَقْبَلُوا الْمُسَالَمَةَ.
وَكَانَ خُرُوجُ رُسْتُمَ مِنَ الْمَدَائِنِ فِي سِتِّينَ أَلْفَ مَتْبُوعٍ، وَمَسِيرُهُ عَنْ سَابَاطَ فِي مِائَةِ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ مَتْبُوعٍ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَلَمَّا فَصَلَ رُسْتُمُ عَنْ سَابَاطَ كَتَبَ إِلَى أَخِيهِ الْبِنْذَوَانِ: أَمَّا بَعْدُ فَرُمُّوا حُصُونَكُمْ وَأَعِدُّوا وَاسْتَعِدُّوا، فَكَأَنَّكُمْ بِالْعَرَبِ قَدْ قَارَعُوكُمْ عَنْ أَرْضِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ، وَقَدْ كَانَ مِنْ رَأْيِي مُدَافَعَتُهُمْ وَمُطَاوَلَتُهُمْ حَتَّى تَعُودَ سُعُودُهُمْ نُحُوسًا، فَإِنَّ السَّمَكَةَ قَدْ كَدَّرَتِ الْمَاءَ، وَإِنَّ النَّعَائِمَ قَدْ حَسُنَتْ، وَالزُّهْرَةُ قَدْ حَسُنَتْ، وَاعْتَدَلَ الْمِيزَانُ، وَذَهَبَ بَهْرَامُ، وَلَا أَرَى هَؤُلَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute