الْقَوْمَ إِلَّا سَيَظْهَرُونَ عَلَيْنَا، وَيَسْتَوْلُونَ عَلَى مَا يَلِينَا، وَإِنَّ أَشَدَّ مَا رَأَيْتُ أَنَّ الْمَلِكَ قَالَ: لَتَسِيرُنَّ أَوْ لَأَسِيرَنَّ بِنَفْسِي.
وَلَقِيَ جَابَانُ رُسْتُمَ عَلَى قَنْطَرَةِ سَابَاطَ، وَكَانَا مُنَجِّمَيْنِ، فَشَكَا إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: أَلَا تَرَى مَا أَرَى؟ فَقَالَ لَهُ رُسْتُمُ: أَمَّا أَنَا فَأُقَادُ بِخِشَاشٍ وَزِمَامٍ، وَلَا أَجِدُ بُدًّا مِنَ الِانْقِيَادِ. ثُمَّ سَارَ فَنَزَلَ بِكُوثَى، فَأُتِيَ بِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكُمْ وَمَاذَا تَطْلُبُونَ؟ فَقَالَ: جِئْنَا نَطْلُبُ مَوْعُودَ اللَّهِ بِمِلْكِ أَرْضِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ إِنْ أَبَيْتُمْ أَنْ تُسْلِمُوا. قَالَ رُسْتُمُ: فَإِنْ قُتِلْتُمْ قَبْلَ ذَلِكَ! قَالَ: مَنْ قُتِلَ مِنَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا أَنْجَزَهُ اللَّهُ مَا وَعَدَهُ، فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ.
فَقَالَ رُسْتُمُ: قَدْ وَضَعَنَا إِذَنْ فِي أَيْدِيكُمْ! فَقَالَ: أَعْمَالُكُمْ وَضَعَتْكُمْ فَأَسْلَمَكُمُ اللَّهُ بِهَا، فَلَا يَغُرَنَّكَ مَنْ تَرَى حَوْلَكَ، فَإِنَّكَ لَسْتَ تُجَاوِلُ الْإِنْسَ إِنَّمَا تُجَاوِلُ الْقَدَرَ. فَضَرَبَ عُنُقَهُ، ثُمَّ سَارَ فَنَزَلَ الْبُرْسَ، فَغَصَبَ أَصْحَابُهُ النَّاسَ أَبْنَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَوَقَعُوا عَلَى النِّسَاءِ وَشَرِبُوا الْخُمُورَ، فَضَجَّ أَهْلُهَا إِلَى رُسْتُمَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ فَارِسَ، وَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقَ الْعَرَبِيُّ، وَاللَّهِ مَا أَسْلَمَنَا إِلَّا أَعْمَالُنَا، وَاللَّهِ إِنَّ الْعَرَبَ مَعَ هَؤُلَاءِ وَهُمْ لَهُمْ حَرْبٌ أَحْسَنُ سِيرَةً مِنْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ يَنْصُرُكُمْ عَلَى الْعَدُوِّ وَيُمَكِّنُ لَكْمُ فِي الْبِلَادِ بِحُسْنِ السِّيرَةِ، وَكَفِّ الظُّلْمِ وَالْوَفَاءِ وَالْإِحْسَانِ، فَإِذَا تَغَيَّرْتُمْ فَلَا يُرَى اللَّهُ إِلَّا مُغَيِّرًا مَا بِكُمْ، وَمَا أَنَا بِآمِنٍ مِنْ أَنْ يَنْزِعَ اللَّهُ سُلْطَانَهُ مِنْكُمْ. وَأُتِيَ بِبَعْضِ مَنْ يُشْكَى مِنْهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ.
ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلَ الْحِيرَةَ، وَدَعَا أَهْلَهَا وَتَهَدَّدَهُمْ وَهَمَّ بِهِمْ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ بُقَيْلَةَ: لَا تَجْمَعْ عَلَيْنَا أَنْ تَعْجِزَ عَنْ نُصْرَتِنَا، وَتَلُومَنَا عَلَى الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِنَا.
وَلَمَّا نَزَلَ رُسْتُمُ بِالنَّجَفِ رَأَى كَأَنَّ مَلَكًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَمَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُمَرُ، فَأَخَذَ الْمَلِكُ سِلَاحَ أَهْلِ فَارِسَ فَخَتَمَهُ، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَفَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى عُمَرَ، فَأَصْبَحَ رُسْتُمُ حَزِينًا.
وَأَرْسَلَ سَعْدٌ السَّرَايَا وَرُسْتُمُ بِالنَّجَفِ، وَالْجَالِينُوسُ بَيْنَ النَّجَفِ وَالسَّيْلَحِينِ، فَطَافَتْ فِي السَّوَادِ، فَبَعَثَ سَوَادًا وَحُمَيْضَةَ فِي مِائَةِ مِائَةٍ، فَأَغَارُوا عَلَى النَّهْرَيْنِ، وَبَلَغَ رُسْتُمَ الْخَبَرُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ خَيْلًا، وَسَمِعَ سَعْدٌ أَنَّ خَيْلَهُ قَدْ وَغَلَتْ فَأَرْسَلَ عَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو وَجَابِرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute