رُسْتُمَ رَاكِبًا. قَالَ لَهُ: انْزِلْ. قَالَ: لَا أَفْعَلُ. فَقَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكَ وَلَمْ يَجِئِ الْأَوَّلُ؟ قَالَ لَهُ: إِنَّ أَمِيرَنَا يُحِبُّ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَنَا فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَهَذِهِ نَوْبَتِي. فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ فَأَجَابَهُ مِثْلَ الْأَوَّلِ. فَقَالَ رُسْتُمُ: أَوِ الْمُوَادَعَةُ إِلَى يَوْمٍ مَا؟ قَالَ: نَعَمْ، ثَلَاثًا مِنْ أَمْسِ. فَرَدَّهُ وَأَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ: وَيْحَكُمْ! أَمَا تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ جَاءَنَا الْأَوَّلُ بِالْأَمْسِ فَغَلَبَنَا عَلَى أَرْضِنَا، وَحَقَّرَ مَا نُعَظِّمُ وَأَقَامَ فَرَسَهُ عَلَى زِبْرِجِنَا، وَجَاءَ هَذَا الْيَوْمَ فَوَقَفَ عَلَيْنَا وَهُوَ فِي يُمْنِ الطَّائِرِ، يَقُومُ عَلَى أَرْضِنَا دُونَنَا.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَرْسَلَ: ابْعَثُوا إِلَيْنَا رَجُلًا. فَبَعَثَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ وَعَلَيْهِمُ التِّيجَانُ وَالثِّيَابُ الْمَنْسُوجَةُ بِالذَّهَبِ، وَبُسُطُهُمْ عَلَى غُلْوَةٍ، لَا يُوصَلُ إِلَى صَاحِبِهِمْ حَتَّى يُمْشَى عَلَيْهَا، فَأَقْبَلَ الْمُغِيرَةُ حَتَّى جَلَسَ مَعَ رُسْتُمَ عَلَى سَرِيرِهِ، فَوَثَبُوا عَلَيْهِ وَأَنْزَلُوهُ وَمَعَكُوهُ، وَقَالَ: قَدْ كَانَتْ تَبْلُغُنَا عَنْكُمُ الْأَحْلَامُ، وَلَا أَرَى قَوْمًا أَسْفَهَ مِنْكُمْ، إِنَّا مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَا نَسْتَعْبِدُ بَعْضَنَا بَعْضًا، فَظَنَنْتُ أَنَّكُمْ تُوَاسُونَ قَوْمَكُمْ كَمَا نَتَوَاسَى، فَكَانَ أَحْسَنَ مِنَ الَّذِي صَنَعْتُمْ أَنْ تُخْبِرُونِي أَنَّ بَعْضَكُمْ أَرْبَابُ بَعْضٍ، فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَسْتَقِيمُ فِيكُمْ وَلَا يَصْنَعُهُ أَحَدٌ، وَإِنِّي لَمْ آتِكُمْ وَلَكِنْ دَعَوْتُمُونِي، الْيَوْمَ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ مُغَلَّبُونَ، وَأَنَّ مُلْكًا لَا يَقُومُ عَلَى هَذِهِ السِّيرَةِ وَلَا عَلَى هَذِهِ الْعُقُولِ. فَقَالَتِ السِّفْلَةُ: صَدَقَ وَاللَّهِ الْعَرَبِيُّ. وَقَالَتِ الدَّهَاقِينُ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَمَى بِكَلَامٍ لَا تَزَالُ عَبِيدُنَا يَنْزِعُونَ إِلَيْهِ، قَاتَلَ اللَّهُ أَوَّلِينَا حِينَ كَانُوا يُصَغِّرُونَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ!
ثُمَّ تَكَلَّمَ رُسْتُمُ فَحَمِدَ قَوْمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُمْ وَقَالَ: لَمْ نَزَلْ مُتَمَكِّنِينَ فِي الْبِلَادِ، ظَاهِرِينَ عَلَى الْأَعْدَاءِ، أَشْرَافًا فِي الْأُمَمِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِثْلُ عِزِّنَا وَسُلْطَانِنَا، نُنْصَرُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُنْصَرُونَ عَلَيْنَا، إِلَّا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالشَّهْرَ لِلذُّنُوبِ، فَإِذَا انْتَقَمَ اللَّهُ مِنَّا وَرَضِيَ عَلَيْنَا رَدَّ لَنَا الْكَرَّةَ عَلَى عَدُوِّنَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَمِ أُمَّةٌ أَصْغَرَ عِنْدَنَا أَمْرًا مِنْكُمْ، كُنْتُمْ أَهْلَ قَشَفٍ وَمَعِيشَةٍ سَيِّئَةٍ لَا نَرَاكُمْ شَيْئًا، وَكُنْتُمْ تَقْصِدُونَنَا إِذَا قَحَطَتْ بِلَادُكُمْ، فَنَأْمُرُ لَكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ ثُمَّ نَرُدُّكُمْ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْكُمْ عَلَى مَا صَنَعْتُمْ إِلَّا الْجُهْدُ فِي بِلَادِكُمْ، فَأَنَا آمِرٌ لِأَمِيرِكُمْ بِكُسْوَةٍ وَبَغْلٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَآمِرٌ لِكُلٍّ مِنْكُمْ بِوِقْرِ تَمْرٍ وَتَنْصَرِفُونَ عَنَّا، فَإِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَقْتُلَكُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute