للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَا! فَاقْتَتَلُوا حَتَّى الْمَسَاءِ، فَلَمْ يَرَ أَهْلُ فَارِسَ فِي هَذَا الْيَوْمِ (شَيْئًا) مِمَّا يُعْجِبُهُمْ، وَأَكْثَرَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِمُ الْقَتْلَ، وَلَمْ يُقَاتِلُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ عَلَى فِيَلٍ، كَانَتْ تَوَابِيتُهَا تَكَسَّرَتْ بِالْأَمْسِ، فَاسْتَأْنَفُوا عَمَلَهَا فَلَمْ يَفْرَغُوا مِنْهَا حَتَّى كَانَ الْغَدُ.

وَجَعَلَ الْقَعْقَاعُ كُلَّمَا طَلَعَتْ قِطْعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كَبَّرَ وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ، وَيَحْمِلُ وَيَحْمِلُونَ، وَحَمَلَ بَنُو عَمٍّ لِلْقَعْقَاعِ عَشَرَةً عَشَرَةً عَلَى إِبِلٍ قَدْ أَلْبَسُوهَا وَهِيَ مُجَلَّلَةٌ مُبَرْقَعَةٌ، وَأَطَافَتْ بِهِمْ خُيُولُهُمْ تَحْمِيهِمْ، وَأَمَرَهُمُ الْقَعْقَاعُ أَنْ يَحْمِلُوهَا عَلَى خَيْلِ الْفُرْسِ يَتَشَبَّهُونَ بِالْفِيَلَةِ، فَفَعَلُوا بِهِمْ هَذَا الْيَوْمَ، وَهُوَ يَوْمُ أَغْوَاثٍ، كَمَا فَعَلَتْ فَارِسُ يَوْمَ أَرْمَاثَ، فَجَعَلَتْ خَيْلُ الْفُرْسِ تَفِرُّ مِنْهَا، وَرَكِبَتْهَا خُيُولُ الْمُسْلِمِينَ. فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ اسْتَنُّوا بِهِمْ، فَلَقِيَ الْفُرْسُ مِنَ الْإِبِلِ أَعْظَمَ مِمَّا لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْفِيَلَةِ.

وَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ تَمِيمٍ عَلَى رُسْتُمَ يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَقُتِلَ دُونَهُ. وَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ يُبَارِزُ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ الْأَعْرَفُ بْنُ الْأَعْلَمِ الْعَقِيلِيُّ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ بَرَزَ إِلَيْهِ آخَرُ فَقَتَلَهُ، وَأَحَاطَتْ بِهِ فَوَارِسُ مِنْهُمْ فَصَرَعُوهُ وَأَخَذُوا سِلَاحَهُ، فَغَبَّرَ فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ حَتَّى رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ. وَحَمَلَ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ ثَلَاثِينَ حَمْلَةً، كُلَّمَا طَلَعَتْ قِطْعَةٌ حَمَلَ حَمْلَةً وَأَصَابَ فِيهَا وَقَتَلَ، كَانَ آخِرُهُمْ بُزُرْجُمِهْرَ الْهَمَذَانِيَّ. وَبَارَزَ الْأَعْوَرُ بْنُ قُطْبَةَ شَهْرَيَارَ سِجِسْتَانَ فَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَقَاتَلَتِ الْفُرْسَانُ إِلَى انْتِصَافِ النَّهَارِ. فَلَمَّا اعْتَدَلَ النَّهَارُ تَزَاحَفَ النَّاسُ، فاَقْتَتَلُوا حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ، فَكَانَتْ لَيْلَةُ أَرْمَاثَ تُدْعَى الْهَدْأَةَ، وَلَيْلَةُ أَغَوَاثٍ تُدْعَى السَّوَادَ، وَلَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ (فِي) يَوْمِ أَغْوَاثٍ الظَّفَرَ، وَقَتَلُوا فِيهِ عَامَّةَ أَعْلَامِهِمْ، وَحَالَتْ فِيهِ خَيْلُ الْقَلْبِ وَثَبَتَ رَجْلُهُمْ، فَلَوْلَا أَنَّ خَيْلَهُمْ عَادَتْ أُخِذَ رُسْتُمُ أَخْذًا. وَبَاتَ النَّاسُ عَلَى مَا بَاتَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ لَيْلَةَ أَرْمَاثَ، وَلَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ يَنْتَمُونَ. فَلَمَّا سَمِعَ سَعْدٌ ذَلِكَ قَالَ لِبَعْضِ مَنْ عِنْدَهُ: إِنْ تَمَّ النَّاسُ عَلَى الِانْتِمَاءِ فَلَا تُوقِظْنِي فَإِنَّهُمْ أَقْوِيَاءُ، وَإِنْ سَكَتُوا وَلَمْ يَنْتَمِ الْآخَرُونَ فَلَا تُوقِظْنِي، فَإِنَّهُمْ عَلَى السَّوَاءِ، فَإِنْ سَمِعْتَهُمْ يَنْتَمُونَ فَأَيْقِظْنِي فَإِنَّ انْتِمَائَهُمْ عَنِ السَّوْءِ.

وَلَمَّا اشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَكَانَ أَبُو مِحْجَنٍ قَدْ حُبِسَ وَقُيِّدَ فَهُوَ فِي الْقَصْرِ، قَالَ لِسَلْمَى زَوْجِ سَعْدٍ: هَلْ لَكِ أَنْ تُخَلِّي عَنِّي وَتُعِيرِينِي الْبَلْقَاءَ؟ فَلِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكِ حَتَّى أَضَعَ رِجْلِي فِي قَيْدِي. فَأَبَتْ، فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>