فَرَسٍ، الثَّانِيَةُ عَلَى بَعِيرٍ، وَالثَّالِثَةُ عَلَى بَغْلٍ - رَجَعَ لِأَجْلِ الطَّاعُونِ - وَالرَّابِعَةُ عَلَى حِمَارٍ. وَكَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يُوَافُوهُ بِالْجَابِيَةِ لِيَوْمٍ سَمَّاهُ لَهُمْ فِي الْمُجَرَّدَةِ، وَيَسْتَخْلِفُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ، فَلَقُوهُ حَيْثُ رُفِعَتْ لَهُمُ الْجَابِيَةُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَهُ يَزِيدُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ ثُمَّ خَالِدٌ عَلَى الْخُيُولِ، عَلَيْهِمُ الدِّيبَاجُ وَالْحَرِيرُ، فَنَزَلَ وَأَخَذَ الْحِجَارَةَ وَرَمَاهُمْ بِهَا وَقَالَ: مَا أَسْرَعَ مَا رَجَعْتُمْ عَنْ رَأْيِكُمْ! إِيَّايَ تَسْتَقْبِلُونَ فِي هَذَا الزِّيِّ وَإِنَّمَا شَبِعْتُمْ مُذْ سَنَتَيْنِ! وَبِاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ هَذَا عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ لَاسْتَبْدَلْتُ بِكُمْ غَيْرَكُمْ. فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهَا يَلَامِقَةُ، وَإِنَّ عَلَيْنَا السِّلَاحَ. قَالَ: فَنَعَمْ إِذَنْ. وَرَكِبَ حَتَّى دَخَلَ الْجَابِيَةَ وَعَمْرٌو وَشُرَحْبِيلُ كَأَنَّهُمَا لَمْ يَتَحَرَّكَا.
فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الْجَابِيَةَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ لَا تَرْجِعُ إِلَى بِلَادِكَ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ إِيلِيَاءَ، وَكَانُوا قَدْ شَجُّوا عَمْرًا وَشَجَّهُمْ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الرَّمْلَةِ. فَبَيْنَمَا عُمَرُ مُعَسْكِرٌ بِالْجَابِيَةِ فَزِعَ النَّاسُ إِلَى السِّلَاحِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: أَلَا تَرَى إِلَى الْخَيْلِ وَالسُّيُوفِ؟ فَنَظَرَ فَإِذَا كُرْدُوسٌ يُلْمِعُونَ بِالسُّيُوفِ. فَقَالَ عُمَرُ: مُسْتَأْمِنَةٌ فَلَا تُرَاعُوا، فَأَمِّنُوهُمْ، وَإِذَا أَهْلُ إِيلِيَاءَ وَحَيِّزِهَا، فَصَالَحَهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ وَفَتَحُوهَا لَهُ. وَكَانَ الَّذِي صَالَحَهُ الْعَوَّامُّ، لِأَنَّ أَرْطَبُونَ وَالتَّذَارِقَ دَخَلَا مِصْرَ لَمَّا وَصَلَ عُمَرُ إِلَى الشَّامِ، وَأَخَذُوا كِتَابَهُ عَلَى إِيلِيَاءَ وَحَيِّزِهَا وَالرَّمْلَةِ وَحَيِّزِهَا، فَشَهِدَ ذَلِكَ الْيَهُودِيُّ الصُّلْحَ. فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنِ الدَّجَّالِ، وَكَانَ كَثِيرَ السُّؤَالِ عَنْهُ. فَقَالَ لَهُ: وَمَا مَسْأَلَتُكَ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ أَنْتُمْ وَاللَّهِ تَقْتُلُونَهُ دُونَ بَابِ لُدٍّ بِبِضْعَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا. وَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَيْهِمْ بِالْأَمَانِ وَجَعَلَ عَلْقَمَةَ بْنَ حَكِيمٍ عَلَى نِصْفِ فِلَسْطِينَ وَأَسْكَنَهُ الرَّمْلَةِ، وَجَعَلَ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزِّزٍ عَلَى نِصْفِهَا الْآخَرِ وَأَسْكَنَهُ إِيلِيَاءَ. وَضَمَّ عَمْرًا وَشُرَحْبِيلَ إِلَيْهِ بِالْجَابِيَةِ فَلَقِيَاهُ رَاكِبًا فَقَبَّلَا رُكْبَتَيْهِ، وَضَمَّ عُمَرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَضِنَهُمَا.
ثُمَّ سَارَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنَ الْجَابِيَةِ فَرَكِبَ فَرَسَهُ فَرَأَى بِهِ عَرَجًا، فَنَزَلَ عَنْهُ وَأُتِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute