للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبْدَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِلنَّاسِ. فَجَعَلَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَيَقُولُ لَهُمْ: أَهَذَا عَنْ مَلَإٍ مِنْكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَعَاذَ اللَّهِ! قَالَ: وَدَخَلَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ مَعَ النَّاسِ فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ قَالَ:

تَوَعَّدَنِي كَعْبٌ ثَلَاثًا أَعُدُّهَا ... وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَ لِي كَعْبُ

وَمَا بِي حِذَارُ الْمَوْتِ، إِنِّي لَمَيِّتٌ

،

وَلَكِنْ حِذَارُ الذَّنْبِ يَتْبَعُهُ الذَّنْبُ

وَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ لِي بِهَذَا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ أَنْ قُلْ نَعَمْ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ. فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَغُرَّنِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ. ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، خُذْ رَأْسِي عَنِ الْوِسَادَةِ فَضَعْهُ فِي التُّرَابِ لَعَلَّ اللَّهَ - جَلَّ ذِكْرُهُ - يَنْظُرُ إِلَيَّ فَيَرْحَمُنِي، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ.

وَدُعِيَ لَهُ طَبِيبٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ فَسَقَاهُ نَبِيذًا فَخَرَجَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ، فَسَقَاهُ لَبَنًا فَخَرَجَ كَذَلِكَ أَيْضًا، فَقَالَ لَهُ: اعْهَدْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: قَدْ فَرَغْتُ.

وَلَمَّا احْتُضِرَ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ وَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:

ظَلُومٌ لِنَفْسِي غَيْرَ أَنِّيَ مُسْلِمٌ ... أُصَلِّي الصَّلَاةَ كُلَّهَا وَأَصُومُ

وَلَمْ يَزَلْ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُدِيمُ الشَّهَادَةَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَّ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. وَقِيلَ: طُعِنَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَدُفِنَ يَوْمَ الْأَحَدِ هِلَالَ مُحَرَّمٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ.

وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ عَشْرَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، وَبُويِعَ عُثْمَانُ لِثَلَاثٍ مَضَيْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ. وَقِيلَ: كَانَتْ وَفَاتُهُ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>