قَالَ: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ - وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ - قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} [يوسف: ٦٤ - ٦٥] ، قَالَ يَعْقُوبُ: {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} [يوسف: ٦٥] ، فَقَالَ يَعْقُوبُ: {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [يوسف: ٦٦] . ثُمَّ أَوْصَاهُمْ أَبُوهُمْ بَعْدَ أَنْ أَذِنَ لِأَخِيهِمْ فِي الرَّحِيلِ مَعَهُمْ {وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} [يوسف: ٦٧] ، خَافَ عَلَيْهِمُ الْعَيْنَ، وَكَانُوا ذَوِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ، فَفَعَلُوا كَمَا أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ، {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} [يوسف: ٦٩] وَعَرَفَهُ وَأَنْزَلَهُمْ مَنْزِلًا وَأَجْرَى عَلَيْهِمُ الْوَظَائِفَ وَقَدَّمَ لَهُمُ الطَّعَامَ وَأَجْلَسَ كُلَّ اثْنَيْنِ عَلَى مَائِدَةٍ، فَبَقِيَ بِنْيَامِينُ وَحْدَهُ، فَبَكَى وَقَالَ: لَوْ كَانَ أَخِي يُوسُفُ حَيًّا لَأَجْلَسَنِي مَعَهُ! فَقَالَ يُوسُفُ: لَقَدْ بَقِيَ أَخُوكُمْ هَذَا وَحِيدًا، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ وَقَعَدَ يُؤَاكِلُهُ. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ جَاءَهُمْ بِالْفِرَاشِ وَقَالَ: لِيَنَمْ كُلُّ أَخَوَيْنِ مِنْكُمْ عَلَى فِرَاشٍ، وَبَقِيَ بِنْيَامِينُ وَحْدَهُ، فَقَالَ: هَذَا يَنَامُ مَعِي، فَبَاتَ مَعَهُ عَلَى فِرَاشِهِ، فَبَقِيَ يَشُمُّهُ وَيَضُمُّهُ إِلَيْهِ حَتَّى أَصْبَحَ، وَذَكَرَ لَهُ بِنْيَامِينُ حُزْنَهُ عَلَى يُوسُفَ، فَقَالَ لَهُ: أَتُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَخَاكَ عِوَضَ أَخِيكَ الذَّاهِبِ؟ فَقَالَ بِنْيَامِينُ: وَمَنْ يَجِدُ أَخًا مِثْلَكَ! وَلَكِنْ لَمْ يَلِدْكَ يَعْقُوبُ وَلَا رَاحِيلُ. فَبَكَى يُوسُفُ وَقَامَ إِلَيْهِ فَعَانَقَهُ، وَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَنَا أَخُوكَ يُوسُفُ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا فَعَلُوهُ بِنَا فِيمَا مَضَى، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا، وَلَا تُعْلِمْهُمْ بِمَا عَلَّمْتُكَ.
وَقِيلَ: لَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ نَقَرَ الصُّوَاعَ وَقَالَ: إِنَّهُ يُخْبِرُنِي أَنَّكُمْ كُنْتُمُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَأَنَّكُمْ بِعْتُمْ أَخَاكُمْ. فَلَمَّا سَمِعَهُ بِنْيَامِينُ سَجَدَ لَهُ وَقَالَ: سَلْ صُوَاعَكَ هَذَا عَنْ أَخِي أَحِيٌّ هُوَ؟ فَنَقَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ حَيٌّ، وَسَتَرَاهُ. قَالَ: فَاصْنَعْ بِي مَا شِئْتَ فَإِنَّهُ إِنْ عَلِمَ بِي فَسَوْفَ يَسْتَقِدُّنِي، قَالَ: فَدَخَلَ يُوسُفُ فَبَكَى ثُمَّ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا حَمَّلَ يُوسُفُ إِبِلَ إِخْوَتِهِ مِنَ الْمِيرَةِ جَعَلَ الْإِنَاءَ الَّذِي يَكِيلُ بِهِ الطَّعَامَ، وَهُوَ الصُّوَاعُ، وَكَانَ مِنْ فِضَّةٍ، فِي رَحْلِ أَخِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute