قِتَالِكُمْ سَبِيلًا. فَقَالَ عِلْبَاءُ بْنُ الْهَيْثَمِ: انْصَرِفُوا بِنَا عَنْهُمْ وَدَعُوهُمْ، فَإِنْ قَلُّوا كَانَ أَقْوَى لِعَدُوِّهِمْ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَثُرُوا أَحْرَى أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَيْكُمْ، دَعُوهُمْ وَارْجِعُوا فَتَعَلَّقُوا بِبَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ حَتَّى يَأْتِيَكُمْ فِيهِ مَنْ تَقْوُونَ بِهِ وَامْتَنِعُوا مِنَ النَّاسِ. فَقَالَ ابْنُ السَّوْدَاءِ: بِئْسَ مَا رَأَيْتَ، وَدَّ وَاللَّهِ النَّاسُ أَنَّكُمُ انْفَرَدْتُمْ وَلَمْ تَكُونُوا مَعَ أَقْوَامٍ بُرَآءَ، وَلَوِ انْفَرَدْتُمْ لَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ كُلَّ شَيْءٍ. فَقَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: وَاللَّهِ مَا رَضِيتُ وَلَا كَرِهْتُ، وَلَقَدْ عَجِبْتُ مِنْ تَرَدُّدِ مَنْ تَرَدَّدَ عَنْ قَتْلِهِ فِي خَوْضِ الْحَدِيثِ، فَأَمَّا إِذَا وَقَعَ مَا وَقَعَ وَنَزَلَ مِنَ النَّاسِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، فَإِنَّ لَنَا عَتَادًا مِنْ خُيُولٍ وَسِلَاحٍ، فَإِنْ أَقْدَمْتُمْ أَقْدَمْنَا وَإِنْ أَمْسَكْتُمْ أَمْسَكْنَا. فَقَالَ ابْنُ السَّوْدَاءِ: أَحْسَنْتَ. وَقَالَ سَالِمُ بْنُ ثَعْلَبَةَ: مَنْ كَانَ أَرَادَ بِمَا أَتَى الدُّنْيَا، فَإِنِّي لَمْ أُرِدْ ذَلِكَ، وَاللَّهِ لَئِنْ لَقِيتُهُمْ غَدًا لَا أَرْجِعُ إِلَى شَيْءٍ، أَحْلِفُ بِاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَفْرَقُنَّ السَّيْفَ فَرْقَ قَوْمٍ لَا تَصِيرُ أُمُورُهُمْ إِلَّا إِلَى السَّيْفِ. فَقَالَ ابْنُ السَّوْدَاءِ: قَدْ قَالَ قَوْلًا. وَقَالَ شُرَيْحُ بْنُ أَوْفَى: أَبْرِمُوا أُمُورَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجُوا، وَلَا تُؤَخِّرُوا أَمْرًا يَنْبَغِي لَكُمْ تَعْجِيلُهُ، وَلَا تُعَجِّلُوا أَمْرًا يَنْبَغِي لَكُمْ تَأْخِيرُهُ، فَإِنَّا عِنْدَ النَّاسِ بِشَرِّ الْمَنَازِلِ، وَمَا أَدْرِي مَا النَّاسُ صَانِعُونَ إِذَا مَا هُمُ الْتَقَوْا. وَقَالَ ابْنُ السَّوْدَاءِ: يَا قَوْمُ إِنَّ عَزَّكُمْ فِي خُلْطَةِ النَّاسِ، فَإِذَا الْتَقَى النَّاسُ غَدًا فَأَنْشِبُوا الْقِتَالَ، وَلَا تُفَرِّغُوهُمْ لِلنَّظَرِ، فَمَنْ أَنْتُمْ مَعَهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَيَشْغَلَ اللَّهُ عَلِيًّا، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَمَنْ رَأَى رَأْيَهُمْ عَمَّا تَكْرَهُونَ. فَأَبْصَرُوا الرَّأْيَ وَتَفَرَّقُوا عَلَيْهِ وَالنَّاسُ لَا يَشْعُرُونَ.
وَأَصْبَحَ عَلِيٌّ عَلَى ظَهْرٍ وَمَضَى، وَمَضَى مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَلَ عَلَى عَبْدِ الْقَيْسِ فَانْضَمُّوا إِلَيْهِ، وَسَارَ مِنْ هُنَاكَ فَنَزَلَ الزَّاوِيَةَ، وَسَارَ مِنَ الزَّاوِيَةِ يُرِيدُ الْبَصْرَةَ، وَسَارَ طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَائِشَةُ، مِنَ الْفُرْضَةِ، فَالْتَقَوْا عِنْدَ مَوْضِعِ قَصْرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ. فَلَمَّا نَزَلَ النَّاسُ أَرْسَلَ شَقِيقُ بْنُ ثَوْرٍ إِلَى عَمْرِو بْنِ مَرْحُومٍ الْعَبْدِيِّ أَنِ اخْرُجْ، فَإِذَا خَرَجْتَ فَمِلْ بِنَا إِلَى عَسْكَرِ عَلِيٍّ. فَخَرَجَا فِي عَبْدِ الْقَيْسِ وَبَكْرِ بْنِ وَائِلٍ فَعَدَلُوا إِلَى عَسْكَرِ عَلِيٍّ، فَقَالَ النَّاسُ: مَنْ كَانَ هَؤُلَاءِ مَعَهُ غَلَبَ. وَأَقَامُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، فَكَانَ عَلِيٌّ يُرْسِلُ إِلَيْهِمْ يُكَلِّمُهُمْ وَيَدْعُوهُمْ، وَكَانَ نُزُولُهُمْ فِي النِّصْفِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَنَزَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute