هَذِهِ الضَّجَّةُ؟ قَالُوا: عَائِشَةُ تَدْعُو عَلَى قَتَلَةِ عُثْمَانَ وَأَشْيَاعِهِمْ. فَقَالَ عَلِيٌّ: اللَّهُمَّ الْعَنْ قَتَلَةَ عُثْمَانَ! فَأَرْسَلَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَتَّابٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَرْثِ بْنِ هِشَامٍ أَنِ اثْبُتَا مَكَانَكُمَا، وَحَرَّضَتِ النَّاسَ حِينَ رَأَتِ الْقَوْمَ يُرِيدُونَهَا وَلَا يَكُفُّونَ، فَحَمَلَتْ مُضَرُ الْبَصْرَةِ حَتَّى قَصَفَتْ مُضَرَ الْكُوفَةِ حَتَّى زُحِمَ عَلِيٌّ، فَنَخَسَ قَفَا ابْنِهِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَتِ الرَّايَةُ مَعَهُ، وَقَالَ لَهُ: احْمِلْ! فَتَقَدَّمَ حَتَّى لَمْ يَجِدْ مُتَقَدَّمًا إِلَّا عَلَى سِنَانِ رُمْحٍ، فَأَخَذَ عَلِيٌّ الرَّايَةَ مِنْ يَدِهِ وَقَالَ: يَا بُنَيَّ بَيْنَ يَدَيَّ.
وَحَمَلَتْ مُضَرُ الْكُوفَةِ، فَاجْتَلَدُوا قُدَّامَ الْجَمَلِ حَتَّى ضُرِسُوا وَالْمُجَنِّبَتَانِ عَلَى حَالِهِمَا لَا تَصْنَعُ شَيْئًا، وَمَعَ عَلِيٍّ قَوْمٌ مِنْ غَيْرِ مُضَرَ، مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ، طَلَبُوا ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: تَنَحَّ إِلَى قَوْمِكَ، مَا لَكَ وَلِهَذَا الْمَوْقِفِ؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مُضَرَ بِحِيَالِكَ، وَالْجَمَلَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَأَنَّ الْمَوْتَ دُونَهُ؟ فَقَالَ: الْمَوْتُ خَيْرٌ مِنَ الْحَيَاةِ، الْمَوْتُ أُرِيدُ، فَأُصِيبَ هُوَ وَأَخُوهُ سَيْحَانُ، وَارْتُثَّ صَعْصَعَةُ أَخُوهُمَا، وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ بَعَثَ إِلَى رَبِيعَةَ وَإِلَى الْيَمَنِ أَنِ اجْمَعُوا مَنْ يَلِيكُمْ. فَقَامَ رَجُلٌ مَنْ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ فَقَالَ: نَدْعُوكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ. فَقَالُوا: وَكَيْفَ يَدْعُونَا إِلَيْهِ مَنْ لَا يَسْتَقِيمُ وَلَا يُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ، وَقَدْ قَتَلَ كَعْبَ بْنَ سُورٍ دَاعِيَ اللَّهِ! وَرَمَتْهُ رَبِيعَةُ رَشْقًا وَاحِدًا فَقَتَلُوهُ، فَقَامَ مُسْلِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ مَكَانَهُ، فَرَشَقُوهُ رَشْقًا وَاحِدًا فَقَتَلُوهُ، وَدَعَتْ يَمَنُ الْكُوفَةِ يَمَنَ الْبَصْرَةِ فَرَشَقُوهُمْ، وَأَبَى أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَّا الْقِتَالَ، وَلَمْ يُرِيدُوا إِلَّا عَائِشَةَ، فَذَكَرَتْ أَصْحَابَهَا فَاقْتَتَلُوا حَتَّى تَنَادَوْا، فَتَحَاجَزُوا ثُمَّ رَجَعُوا، فَاقْتَتَلُوا، وَتَزَاحَفَ النَّاسُ، وَظَهَرَتْ يَمَنُ الْبَصْرَةِ عَلَى يَمَنِ الْكُوفَةِ فَهَزَمَتْهُمْ، وَرَبِيعَةُ الْبَصْرَةِ عَلَى رَبِيعَةِ الْكُوفَةِ فَهَزَمَتْهُمْ، ثُمَّ عَادَ يَمَنُ الْكُوفَةِ فَقُتِلَ عَلَى رَايَتِهِمْ عَشَرَةٌ، خَمْسَةٌ مِنْ هَمْدَانَ، وَخَمْسَةٌ مِنْ سَائِرِ الْيَمَنِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ يَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ أَخَذَهَا فَثَبَتَتْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يَقُولُ:
قَدْ عِشْتِ يَا نَفْسِي وَقَدْ غَنِيتِ ... دَهْرًا فَقَدْكِ الْيَوْمَ مَا بَقِيتِ
أَطْلُبُ طُولَ الْعُمْرِ مَا حَيِيتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute