إِذَا وَرَدْنَا آجِنًا جَهَرْنَاهْ ... وَلَا يُطَاقُ وِرْدُ مَا مَنَعْنَاهْ
وَزَحْفَ إِلَى زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ الْكَلَّائِيِّ، وَتَسَرَّعَتْ عَامِرٌ إِلَى حَرْبِهِ فَأُصِيبُوا، فَقَالَ الْقَعْقَاعُ لِبُجَيْرِ بْنِ دُلْجَةَ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ: يَا بُجَيْرُ بْنَ دُلْجَةَ صِحْ بِقَوْمِكَ فَلْيَعْقِرُوا الْجَمَلَ قَبْلَ أَنْ تُصَابُوا وَتُصَابَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ بُجَيْرٌ: يَا آلَ ضَبَّةَ! يَا عَمْرَو بْنَ دُلْجَةَ! ادْعُ بِي إِلَيْكَ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: أَنَا آمِنٌ حَتَّى أَرْجِعَ عَنْكُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَاجْتَثَّ سَاقَ الْبَعِيرِ، فَرَمَى نَفْسَهُ عَلَى شِقِّهِ وَجَرْجَرَ الْبَعِيرَ، فَقَالَ الْقَعْقَاعُ لِمَنْ يَلِيهِ: أَنْتُمْ آمِنُونَ. وَاجْتَمَعَ هُوَ وَزُفَرُ عَلَى قَطْعِ بِطَانِ الْبَعِيرِ، وَحَمَلَا الْهَوْدَجَ فَوَضَعَاهُ، (وَإِنَّهُ كَالْقُنْفُذِ لِمَا فِيهِ مِنَ السِّهَامِ) ، ثُمَّ أَطَافَا بِهِ، وَفَرَّ مَنْ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّاسِ. فَلَمَّا انْهَزَمُوا أَمَرَ عَلِيٌّ مُنَادِيًا فَنَادَى: أَلَا لَا تَتْبَعُوا مُدْبِرًا، وَلَا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا تَدْخُلُوا الدُّورَ. وَأَمَرَ عَلِيٌّ نَفَرًا أَنْ يَحْمِلُوا الْهَوْدَجَ مِنْ بَيْنِ الْقَتْلَى، وَأَمَرَ أَخَاهَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهَا قُبَّةً، وَقَالَ: انْظُرْ هَلْ وَصَلَ إِلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ جِرَاحَةٍ؟ فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي هَوْدَجِهَا، فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَبْغَضُ أَهْلِكِ إِلَيْكِ. قَالَتِ ابْنُ الْخَثْعَمِيَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: يَا بِأَبِي، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَاكَ!
وَقِيلَ: لَمَّا سَقَطَ الْجَمَلُ أَقْبَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ إِلَيْهِ وَمَعَهُ عَمَّارٌ، فَاحْتَمَلَا الْهَوْدَجَ فَنَحَّيَاهُ، فَأَدْخَلَ مُحَمَّدٌ يَدَهُ فِيهِ، فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَخُوكِ الْبَرُّ. قَالَتْ: عُقَقِ! قَالَ: يَا أُخَيَّةُ هَلْ أَصَابَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ مَا أَنْتَ وَذَاكَ؟ قَالَ: فَمَنْ إِذًا الضُّلَّالُ؟ قَالَتْ: بَلِ الْهُدَاةُ. وَقَالَ لَهَا عَمَّارٌ: كَيْفَ رَأَيْتِ ضَرْبَ بَنِيكِ الْيَوْمَ يَا أُمَّاهُ؟ قَالَتْ: لَسْتُ لَكَ بِأُمٍّ. قَالَ: بَلَى وَإِنْ كَرِهْتِ. قَالَتْ: فَخَرْتُمْ أَنْ ظَفِرْتُمْ، وَأَتَيْتُمْ مِثْلَ الَّذِي نَقَمْتُمْ، هَيْهَاتَ، وَاللَّهِ لَنْ يَظْفَرَ مَنْ كَانَ هَذَا دَأْبُهُ!
فَأَبْرَزُوا هَوْدَجَهَا فَوَضَعُوهَا لَيْسَ قُرْبَهَا أَحَدٌ. وَأَتَاهَا عَلِيٌّ: فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتِ يَا أُمَّهْ؟ قَالَتْ: بِخَيْرٍ. قَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكِ. قَالَتْ: وَلَكَ. وَجَاءَ أَعْيَنُ بْنُ ضُبَيْعَةَ (ابْنُ أَعْيَنَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute