فَوَضَعَهَا مُحَمَّدٌ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَلَا تَرَوْنَ إِلَى عُثْمَانَ يُخَادِعُنِي عَنْ دِينِي وَيَرْشُونِي عَلَيْهِ! فَازْدَادَ أَهْلُ مِصْرَ تَعْظِيمًا لَهُ وَطَعْنًا عَلَى عُثْمَانَ، (وَبَايَعُوهُ عَلَى رِيَاسَتِهِمْ) ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ يُذَكِّرُهُ بِرَّهُ بِهِ وَتَرْبِيَتَهُ إِيَّاهُ وَقِيَامَهُ بِشَأْنِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّكَ كَفَرْتَ إِحْسَانِي أَحْوَجُ مَا كُنْتُ إِلَى شُكْرِكَ. فَلَمْ يَرُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ ذَمَّهِ وَتَأْلِيبِ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَحَثِّهِمْ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى حَصْرِهِ، وَمُسَاعَدَةِ مَنْ يُرِيدُ ذَلِكَ.
فَلَمَّا سَارَ الْمِصْرِيُّونَ إِلَى عُثْمَانَ، أَقَامَ هُوَ بِمِصْرَ، وَخَرَجَ عَنْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، (فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا) وَضَبَطَهَا، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا مُقِيمًا حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ وَبُويِعَ عَلِيٌّ، وَاتَّفَقَ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى خِلَافِ عَلِيٍّ، فَسَارَ إِلَى مِصْرَ قَبْلَ قُدُومِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ إِلَيْهَا أَمِيرًا، فَأَرَادَ دُخُولَهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، فَخَدَعَ مُحَمَّدًا حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا إِلَى الْعَرِيشِ فِي أَلْفِ رَجُلٍ، فَتَحَصَّنَ بِهَا، فَنَصَبَ عَلَيْهِ الْمَنْجَنِيقَ حَتَّى نَزَلَ فِي ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقُتِلَ.
وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ عَلِيًّا اسْتَعْمَلَ قَيْسًا عَلَى مِصْرَ أَوَّلَ مَا بُويِعَ لَهُ، وَلَوْ أَنَّ ابْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَتَلَهُ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرٌو قَبْلَ وُصُولِ قَيْسٍ إِلَى مِصْرَ لَاسْتَوْلَيَا عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهَا أَمِيرٌ يَمْنَعُهُمَا عَنْهَا، وَلَا خِلَافَ أَنَّ اسْتِيلَاءَ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرٍو عَلَيْهَا كَانَ بَعْدَ صِفِّينِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ سَيَّرَ الْمِصْرِيِّينَ إِلَى عُثْمَانَ، فَلَمَّا حَصَرُوهُ أَخْرَجَ مُحَمَّدٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ عَنْ مِصْرَ، وَهُوَ عَامِلُ عُثْمَانَ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، فَنَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى تُخُومِ مِصْرَ، وَانْتَظَرَ أَمْرَ عُثْمَانَ، فَطَلَعَ عَلَيْهِ رَاكِبٌ فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِ عُثْمَانَ، فَاسْتَرْجَعَ، وَسَأَلَهُ عَمَّا صَنَعَ النَّاسُ بَعْدَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِبَيْعَةِ عَلِيٍّ، فَاسْتَرْجَعَ، فَقَالَ لَهُ: كَأَنَّ إِمْرَةَ عَلِيٍّ تَعْدِلُ عِنْدَكَ قَتْلَ عُثْمَانَ! قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَظُنُّكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ. فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانَتْ لَكَ فِي نَفْسِكَ حَاجَةٌ فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ، فَإِنَّ رَأْيَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ فِيكَ وَفِي أَصْحَابِكَ إِنْ ظَفِرَ بِكُمْ أَنْ يَقْتُلَكُمْ أَوْ يَنْفِيَكُمْ، وَهَذَا بَعْدِي أَمِيرٌ يَقْدَمُ عَلَيْكَ. فَقَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ: أَبْعَدَ اللَّهُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَإِنَّهُ بَغَى عَلَى ابْنِ عَمِّهِ وَسَعَى عَلَيْهِ، وَقَدْ كَفَلَهُ وَرَبَّاهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، فَأَسَاءَ جِوَارَهُ وَجَهَّزَ إِلَيْهِ الرِّجَالَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ وَلَّى عَلَيْهِ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ وَمِنْ عُثْمَانَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute