وَلَمْ يُمَتِّعْهُ بِسُلْطَانِ بِلَادِهِ شَهْرًا، وَلَمْ يَرَهْ لِذَلِكَ أَهْلًا. وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ هَارِبًا حَتَّى قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ.
وَهَذَا الْقَوْلُ يَدُلُّ عَلَى أَنْ قَيْسًا وَلِيَ مِصْرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ حَيٌّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَقِيلَ: إِنَّ عَمْرًا سَارَ إِلَى مِصْرَ بَعْدَ صِفِّينَ، فَلَقِيَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ فِي جَيْشٍ، فَلَمَّا رَأَى عَمْرٌو كَثْرَةَ مَنْ مَعَهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَالْتَقَيَا وَاجْتَمَعَا، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّهُ قَدْ كَانَ مَا تَرَى وَقَدْ بَايَعْتُ هَذَا الرَّجُلَ، يَعْنِي مُعَاوِيَةَ، وَمَا أَنَا بِرَاضٍ بِكَثِيرٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَكَ عَلِيًّا أَفْضَلُ مِنْ مُعَاوِيَةَ نَفْسًا وَقَدِيمًا وَأَوْلَى بِهَذَا الْأَمْرِ، فَوَاعِدْنِي مَوْعِدًا أَلْتَقِي مَعَكَ فِيهِ فِي غَيْرِ جَيْشٍ، تَأْتِي فِي مِائَةٍ وَآتِي فِي مِثْلِهَا، وَلَيْسَ مَعَنَا إِلَّا السُّيُوفُ فِي الْقُرُبِ. فَتَعَاهَدَا وَتَعَاقَدَا عَلَى ذَلِكَ وَاتَّعَدَا الْعَرِيشَ، وَرَجَعَ عَمْرٌو إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَلَمَّا جَاءَ الْأَجَلُ سَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ فِي مِائَةٍ، وَجَعَلَ عَمْرٌو لَهُ جَيْشًا خَلْفَهُ لِيَنْطَوِيَ خَبَرُهُ، فَلَمَّا الْتَقَيَا بِالْعَرِيشِ قَدِمَ جَيْشُ عَمْرٍو عَلَى أَثَرِهِ، فَعَلِمَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ قَدْ غُدِرَ بِهِ، فَدَخَلَ قَصْرًا بِالْعَرِيشِ فَتَحَصَّنَ بِهِ، فَحَصَرَهُ عَمْرٌو وَرَمَاهُ بِالْمَنْجَنِيقِ حَتَّى أُخِذَ أَسِيرًا، وَبَعَثَ بِهِ عَمْرٌو إِلَى مُعَاوِيَةَ فَسَجَنَهُ، وَكَانَتِ ابْنَةُ قَرَظَةَ امْرَأَةَ مُعَاوِيَةَ ابْنَةَ عَمَّةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُذَيْفَةَ أُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَكَانَتْ تَصْنَعُ لَهُ طَعَامًا تُرْسِلُهُ إِلَيْهِ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ يَوْمًا فِي الطَّعَامِ مَبَارِدَ، فَبَرَدَ بِهَا قُيُودَهُ وَهَرَبَ فَاخْتَفَى فِي غَارٍ فَأُخِذَ وَقُتِلَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ بَقِيَ مَحْبُوسًا إِلَى أَنْ قُتِلَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ، ثُمَّ إِنَّهُ هَرَبَ، فَطَلَبَهُ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ السَّكُّونِيُّ، فَظَفِرَ بِهِ فَقَتَلَهُ غَضَبًا لِحُجْرٍ، وَكَانَ مَالِكٌ قَدْ شَفَعَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي حُجْرٍ فَلَمْ يُشَفِّعْهُ. وَقِيلَ: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ لَمَّا قُتِلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ خَرَجَ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ إِلَى عَمْرٍو (فَآمَنُهُ عَمْرٌو) ، ثُمَّ غَدَرَ بِهِ وَحَمَلَهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِفِلَسْطِينَ فَحَبَسَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ هَرَبَ، فَأَظْهَرَ مُعَاوِيَةُ لِلنَّاسِ أَنَّهُ كَرِهَ هَرَبَهُ وَأَمَرَ بِطَلَبِهِ، فَسَارَ فِي أَثَرِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ ظَلَّامٍ الْخَثْعَمِيُّ، فَأَدْرَكَهُ بِحَوْرَانَ فِي غَارٍ، وَجَاءَتْ حُمُرٌ تَدْخُلُ الْغَارَ، فَلَمَّا رَأَتْ مُحَمَّدًا نَفَرَتْ مِنْهُ، وَكَانَ هُنَاكَ نَاسٌ يَحْصُدُونَ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ إِنَّ لِنُفْرَةِ هَذِهِ الْحُمُرِ لَشَأْنًا. فَذَهَبُوا إِلَى الْغَارِ فَرَأَوْهُ، فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، فَوَافَقَهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ وَوَصَفَهُ لَهُمْ، فَقَالُوا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute