هُوَ فِي الْغَارِ، فَأَخْرَجَهُ وَكَرِهَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مُعَاوِيَةَ فَيُخْلِي سَبِيلَهُ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَكَانَ ابْنَ خَالِ مُعَاوِيَةَ.
ذكر وِلَايَةِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ مِصْرَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي صَفَرٍ بَعَثَ عَلِيٌّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ، وَكَانَ صَاحِبَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ وَالْبَأْسِ، فَقَالَ لَهُ: سِرْ إِلَى مِصْرَ فَقَدْ وَلَّيْتُكَهَا وَاخْرُجْ إِلَى رَحْلِكَ وَاجْمَعْ إِلَيْكَ ثِقَاتِكَ وَمَنْ أَحْبَبْتَ أَنْ يَصْحَبَكَ حَتَّى تَأْتِيَهَا وَمَعَكَ جُنْدٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَرْعَبُ لِعَدُوِّكَ وَأَعَزُّ لِوَلِيِّكَ، وَأَحْسِنْ إِلَى الْمُحْسِنِ، وَاشْتَدَّ عَلَى الْمُرِيبِ، وَارْفُقْ بِالْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، فَإِنَّ الرِّفْقَ يُمْنٌّ. فَقَالَ لَهُ قَيْسٌ: أَمَّا قَوْلُكَ: اخْرُجْ إِلَيْهَا بِجُنْدٍ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ أَدْخُلْهَا إِلَّا بِجُنْدٍ آتِيهَا بِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ لَا أَدْخُلُهَا أَبَدًا، فَأَنَا أَدَعُ ذَلِكَ الْجُنْدَ لَكَ، فَإِنْ كُنْتَ احْتَجْتَ إِلَيْهِمْ كَانُوا مِنْكَ قَرِيبًا، وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَبْعَثَهُمْ إِلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِكَ كَانُوا عُدَّةً. فَخَرَجَ قَيْسٌ حَتَّى دَخَلَ مِصْرَ فِي سَبْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ بِكِتَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فُقِرِئَ عَلَى أَهْلِ مِصْرَ بِإِمَارَتِهِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِمُبَايَعَتِهِ وَمُسَاعَدَتِهِ وَإِعَانَتِهِ عَلَى الْحَقِّ، ثُمَّ قَامَ قَيْسٌ خَطِيبًا وَقَالَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَاءَ بِالْحَقِّ وَأَمَاتَ الْبَاطِلَ وَكَبَتَ الظَّالِمِينَ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا قَدْ بَايَعْنَا خَيْرَ مَنْ نَعْلَمُ بَعْدَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُومُوا أَيُّهَا النَّاسُ فَبَايِعُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسَنَةِ رَسُولِهِ، فَإِنْ نَحْنُ لَمْ نَعْمَلُ لَكُمْ بِذَلِكَ فَلَا بَيْعَةَ لَنَا عَلَيْكُمْ.
فَقَامَ النَّاسُ فَبَايَعُوا وَاسْتَقَامَتْ مِصْرُ، وَبَعَثَ عَلَيْهَا عُمَّالَهُ إِلَّا قَرْيَةً مِنْهَا يُقَالُ لَهَا خَرْنَبَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ أَعْظَمُوا قَتْلَ عُثْمَانَ، عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مَنْ بَنِي كِنَانَةَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ، فَبَعَثَ إِلَى قَيْسٍ يَدْعُو إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ. وَكَانَ مَسْلَمَةُ بْنُ مُخَلَّدٍ قَدْ أَظْهَرَ الطَّلَبَ أَيْضًا بِدَمِ عُثْمَانَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ قَيْسٌ: وَيْحَكَ أَعَلَيَّ تَثِبُ! فَوَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مُلْكَ الشَّامِ إِلَى مِصْرَ وَأَنِّي قَتَلْتُكَ! فَبَعَثَ إِلَيْهِ مَسْلَمَةُ: إِنِّي كَافٌّ عَنْكَ مَا دُمْتَ أَنْتَ وَالِيَ مِصْرَ.
وَبَعَثَ قَيْسٌ، وَكَانَ حَازِمًا، إِلَى أَهْلِ خَرْنَبَا: إِنِّي لَا أُكْرِهُكُمْ عَلَى الْبَيْعَةِ، وَإِنِّي كَافٌّ عَنْكُمْ، فَهَادَنَهُمْ وَجَبَى الْخَرَاجَ لَيْسَ أَحَدٌ يُنَازِعُهُ، وَخَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْجَمَلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute