هَذَا الْأَمْرِ، وَأَقُوَلِهِمْ بِالزُّورِ، وَأَضَلِّهِمْ سَبِيلًا، وَأَبْعَدِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسِيلَةً، وَلَدِ ضَالِّينَ مُضِلِّينَ، طَاغُوتٍ مِنْ طَوَاغِيتِ إِبْلِيسَ! وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنِّي مَالِئٌ عَلَيْكَ مِصْرَ خَيْلًا وَرِجَالًا، فَوَاللَّهِ إِنْ لَمْ أَشْغَلْكَ بِنَفْسِكَ حَتَّى تَكُونَ أَهَمَّ إِلَيْكَ إِنَّكَ لَذُو جَدٍّ، وَالسَّلَامُ.
فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَةُ كِتَابَهُ أَيِسَ مِنْهُ وَثَقُلَ عَلَيْهِ مَكَانُهُ، وَلَمْ تَنْجَعْ حِيَلُهُ فِيهِ، فَكَادَهُ مِنْ قِبَلِ عَلِيٍّ، فَقَالَ لِأَهْلِ الشَّامِ: لَا تَسُبُّوا قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ، وَلَا تَدْعُوا إِلَى غَزْوِهِ، فَإِنَّهُ لَنَا شِيعَةٌ، قَدْ تَأْتِينَا كُتُبُهُ وَنَصِيحَتُهُ سِرًّا، أَلَا تَرَوْنَ مَا يَفْعَلُ بِإِخْوَانِكُمُ الَّذِينَ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ خَرْنَبَا، يُجْرِي عَلَيْهِمْ أُعْطِيَاتِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ! وَافْتَعَلَ كِتَابًا عَنْ قَيْسٍ إِلَيْهِ بِالطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، وَالدُّخُولِ مَعَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَرَأَهُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا، أَبْلَغَهُ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَعْلَمَتْهُ عُيُونُهُ بِالشَّامِ، فَأَعْظَمَهُ وَأَكْبَرَهُ، فَدَعَا ابْنَيْهِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَأَعْلَمُهُمْ ذَلِكَ. فَقَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، اعْزِلْ قَيْسًا عَنْ مِصْرَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أُصَدِّقُ بِهَذَا عَنْهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: اعْزِلْهُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا لَا يَعْتَزِلُ لَكَ. فَإِنَّهُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ قَيْسٍ يُخْبِرُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِحَالِ الْمُعْتَزِلِينَ وَكَفِّهِ عَنْ قِتَالِهِمْ. فَقَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: مَا أَخْوَفَنِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُمَالَأَةً مِنْهُ، فَمُرْهُ بِقِتَالِهِمْ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِقِتَالِهِمْ، فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ كَتَبَ جَوَابَهُ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَجِبْتُ لِأَمْرِكَ تَأْمُرُنِي بِقِتَالِ قَوْمٍ كَافِّينَ عَنْكَ مُفْرِغِيكَ لِعَدُوِّكَ! وَمَتَى حَادَدْنَاهُمْ سَاعَدُوا عَلَيْكَ عَدُوَّكَ، فَأَطِعْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاكْفُفْ عَنْهُمْ فَإِنَّ الرَّأْيَ تَرْكُهُمْ، وَالسَّلَامُ. فَلَمَّا قَرَأَ عَلِيٌّ الْكِتَابَ قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ابْعَثْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مِصْرَ وَاعْزِلْ قَيْسًا، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ قَيْسًا يَقُولُ: إِنَّ سُلْطَانًا لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا بِقَتْلِ مَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ لَسُلْطَانُ سَوْءٍ.
وَكَانَ ابْنُ جَعْفَرٍ أَخَا مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ لِأُمِّهِ، فَبَعَثَ عَلِيٌّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى مِصْرَ، وَقِيلَ: بَعَثَ الْأَشْتَرَ النَّخَعِيَّ، فَمَاتَ بِالطَّرِيقِ، فَبَعَثَ مُحَمَّدًا، فَقَدِمَ مُحَمَّدٌ عَلَى قَيْسٍ بِمِصْرَ، فَقَالَ لَهُ قَيْسٌ: مَا بَالُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ مَا غَيَّرَهُ؟ أَدَخَلَ أَحَدٌ بَيْنِي وَبَيْنَهُ؟ قَالَ: لَا، وَهَذَا السُّلْطَانُ سُلْطَانُكَ. قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أُقِيمُ. وَخَرَجَ مِنْهَا مُقْبِلًا إِلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ غَضْبَانُ لِعَزْلِهِ، فَجَاءَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَانَ عُثْمَانِيًّا، يَشْمَتُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ: قَتَلْتَ عُثْمَانَ وَنَزَعَكَ عَلِيٌّ، فَبَقِيَ عَلَيْكَ الْإِثْمُ وَلَمْ يَحْسُنْ لَكَ الشُّكْرُ! فَقَالَ لَهُ قَيْسٌ: يَا أَعْمَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute