للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَدْعُوَكَ وَنَحْتَجَّ عَلَيْكَ، وَهَذِهِ أُخْرَى قَدْ فَعَلْتُمُوهَا، مَنَعْتُمُ النَّاسَ عَنِ الْمَاءِ وَالنَّاسُ غَيْرُ مُنْتَهِينَ، فَابْعَثْ إِلَى أَصْحَابِكَ فَلْيُخَلُّوا بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ الْمَاءِ، لْيَكُفُّوا لِنَنْظُرَ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، وَفِيمَا قَدِمْنَا لَهُ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ نَتْرُكَ مَا جِئْنَا لَهُ، وَنَقْتَتِلَ عَلَى الْمَاءِ حَتَّى يَكُونَ الْغَالِبُ هُوَ الشَّارِبُ فَعَلْنَا.

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ؟ فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ: امْنَعْهُمُ الْمَاءَ كَمَا مَنَعُوهُ ابْنَ عَفَّانَ، اقْتُلْهُمْ عَطَشًا قَتَلَهُمُ اللَّهُ! فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: خَلِّ بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ الْمَاءِ، وَإِنَّهُمْ لَنْ يَعْطَشُوا وَأَنْتَ رَيَّانٌ، وَلَكِنْ بِغَيْرِ الْمَاءِ، فَانْظُرْ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ. فَأَعَادَ الْوَلِيدُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ مَقَالَتَهُمَا وَقَالَا: امْنَعْهُمُ الْمَاءَ إِلَى اللَّيْلِ، فَإِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ رَجَعُوا، وَكَانَ رُجُوعُهُمْ هَزِيمَةً، امْنَعْهُمُ الْمَاءَ مَنَعَهُمُ اللَّهُ [إِيَّاهُ] يَوْمَ الْقِيَامَةِ! قَالَ صَعْصَعَةُ: إِنَّمَا يَمْنَعُهُ اللَّهُ الْفَجَرَةَ شَرَبَةَ الْخَمْرِ، لَعَنَكَ اللَّهُ وَلَعَنَ هَذَا الْفَاسِقَ! يَعْنِي الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ. فَشَتَمُوهُ وَتَهَدَّدُوهُ.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْوَلِيدَ وَابْنَ أَبِي سَرْحٍ لَمْ يَشْهَدَا صِفِّينَ.

فَرَجَعَ صَعْصَعَةُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ، وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَيَأْتِيكُمْ رَأْيِي، فَسَرَّبَ الْخَيْلَ إِلَى أَبِي الْأَعْوَرِ لِيَمْنَعَهُمُ الْمَاءَ، فَلَمَّا سَمِعَ عَلِيٌّ بِذَلِكَ قَالَ: قَاتِلُوهُمْ عَلَى الْمَاءِ. فَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ: أَنَا أَسِيرُ إِلَيْهِمْ. فَسَارَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُمْ ثَارُوا فِي وُجُوهِهِمْ، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَتَرَامَوْا سَاعَةً ثُمَّ تَطَاعَنُوا بِالرِّمَاحِ، ثُمَّ صَارُوا إِلَى السُّيُوفِ، فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً، وَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ يَزِيدَ بْنَ أَسَدٍ الْبَجَلِيَّ الْقَسْرِيَّ، جَدَّ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ، فِي الْخَيْلِ إِلَى أَبِي الْأَعْوَرِ، فَأَقْبَلُوا، فَأَرْسَلَ عَلِيٌّ شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ الرِّيَاحِيَّ، فَازْدَادَ الْقِتَالُ، فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي جُنْدٍ كَثِيرٍ، فَأَخَذَ يَمُدُّ أَبَا الْأَعْوَرِ وَيَزِيدَ بْنَ أَسَدٍ، وَأَرْسَلَ عَلِيٌّ الْأَشْتَرَ فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ وَجَعَلَ يَمُدُّ الْأَشْعَثَ وَشَبَثًا، فَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ الْأَزْدِيُّ الْأَحْمَرِيُّ:

خَلُّوا لَنَا مَاءَ الْفُرَاتِ الْجَارِي ... أَوِ اثْبُتُوا لِجَحْفَلٍ جَرَّارِ

لِكُلِّ قَرْمٍ مُسْتَمِيتٍ شَارِي ... طَاعِنٍ بِرُمْحِهِ كَرَّارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>