وَسَتَرِدُ قِصَّتُهُ بِتَمَامِهَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.
فَلَمَّا انْسَلَخَ الْمُحَرَّمُ أَمْرَ عَلِيٌّ مُنَادِيًا فَنَادَى: يَا أَهْلَ الشَّامِ! يَقُولُ لَكُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: قَدِ اسْتَدَمْتُكُمْ لِتُرَاجِعُوا الْحَقَّ وَتُنِيبُوا إِلَيْهِ، فَلَمْ تَنْتَهُوا عَنْ طُغْيَانِكُمْ وَلَمْ تُجِيبُوا إِلَى الْحَقِّ، وَإِنِّي قَدْ نَبَذْتُ إِلَيْكُمْ عَلَى سَوَاءٍ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ!
فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الشَّامِ إِلَى أُمَرَائِهِمْ وَرُؤَسَائِهِمْ، خَرَجَ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو يُكَتِّبَانِ الْكَتَائِبَ وَيُعَبِّيَانِ النَّاسَ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ لِلنَّاسِ: لَا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ، فَأَنْتُمْ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى حُجَّةٍ، وَتَرْكِكُمْ قِتَالَهُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى، فَإِذَا هَزَمْتُمُوهُمْ فَلَا تَقْتُلُوا مُدْبِرًا، وَلَا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا تَكْشِفُوا عَوْرَةً، وَلَا تُمَثِّلُوا بِقَتِيلٍ، وَإِذَا وَصَلْتُمْ إِلَى رِحَالِ الْقَوْمِ فَلَا تَهْتِكُوا سِتْرًا وَلَا تَدْخُلُوا دَارًا، وَلَا تَأْخُذُوا شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا تُهَيِّجُوا امْرَأَةً، وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ وَصُلَحَاءَكُمْ، فَإِنَّهُنَّ ضِعَافُ الْقُوَى وَالْأَنْفُسِ. وَكَانَ يَقُولُ بِهَذَا الْمَعْنَى لِأَصْحَابِهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ، وَحَرَّضَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: عِبَادَ اللَّهِ، اتَّقُوا اللَّهَ وَغُضُّوا الْأَبْصَارَ، وَاخْفِضُوا الْأَصْوَاتَ، وَأَقِلُّوا الْكَلَامَ، وَوَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الْمُنَازَلَةِ وَالْمُجَاوَلَةِ وَالْمُزَاوَلَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَالْمُكَادَمَةِ وَالْمُلَازَمَةِ، {فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: ٤٥] ، {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: ٤٦] ، اللَّهُمَّ أَلْهِمْهُمُ الصَّبْرَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمُ النَّصْرَ، وَأَعْظِمْ لَهُمُ الْأَجْرَ!
وَأَصْبَحَ عَلِيٌّ فَجَعَلَ عَلَى خَيْلِ الْكُوفَةِ الْأَشْتَرَ، وَعَلَى جُنْدِ الْبَصْرَةِ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ، وَعَلَى رَجَّالَةِ الْكُوفَةِ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَعَلَى رَجَّالَةِ الْبَصْرَةِ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ، وَهَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ الْمِرْقَالُ مَعَهُ الرَّايَةُ، وَجَعْلَ مِسْعَرَ بْنَ فَدَكِّيٍ عَلَى قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ عَلَى مَيْمَنَتِهِ ابْنَ ذِي الْكَلَاعِ الْحِمْيَرِيَّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيَّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute