أَبِيهِ! فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا بُنَيَّ لَا تَقُلْ فِي أَبِيهِ إِلَّا خَيْرًا. وَتَرَاجَعَ النَّاسُ. وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَسَبَّ الْوَلِيدُ بَنِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، فَطَلَبَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِيُبَارِزَهُ فَأَبَى، وَقَاتَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ قِتَالًا شَدِيدًا. وَخَرَجَ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ ابْنُ ذِي الْكَلَاعِ الْحِمْيَرِيُّ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا ثُمَّ انْصَرَفُوا. ثُمَّ عَادَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَرَجَ الْأَشْتَرُ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ حَبِيبٌ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا وَانْصَرَفُوا عِنْدَ الظُّهْرِ.
ثُمَّ إِنَّ عَلِيًّا قَالَ: حَتَّى مَتَى لَا نُنَاهِضُ الْقَوْمَ بِأَجْمَعِنَا؟ فَقَامَ فِي النَّاسِ عَشِيَّةَ الثُّلَاثَاءِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُبْرَمُ مَا نَقَضَ، وَمَا أَبْرَمَ لَمْ يَنْقُضْهُ النَّاقِضُونَ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اخْتَلَفَ اثْنَانِ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا اخْتَلَفَتِ الْأُمَّةُ فِي شَيْءٍ، وَلَا جَحَدَ الْمَفْضُولُ ذَا الْفَضْلِ فَضْلَهُ، وَقَدْ سَاقَتْنَا وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الْأَقْدَارُ، فَنَحْنُ بِمَرْأَى مِنْ رَبِّنَا وَمَسْمَعٍ، فَلَوْ شَاءَ عَجَّلَ النِّقْمَةَ، وَكَانَ مِنْهُ التَّغْيِيرُ حَتَّى يُكَذَّبَ الظَّالِمُ وَيَعْلَمَ الْحَقُّ أَيْنَ مَصِيرُهُ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ الْأَعْمَالِ، وَجَعَلَ الْآخِرَةَ دَارَ الْقَرَارِ {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: ٣١] ، أَلَا وَإِنَّكُمْ لَاقُو الْقَوْمِ غَدًا، فَأَطِيلُوا اللَّيْلَةَ الْقِيَامَ، وَأَكْثِرُوا تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ النَّصْرَ وَالصَّبْرَ، وَالْقَوْهُمْ بِالْجِدِّ وَالْحَزْمِ، وَكُونُوا صَادِقِينَ. فَقَامَ الْقَوْمُ يُصْلِحُونَ سِلَاحَهُمْ، فَمَرَّ بِهِمْ كَعْبُ بْنُ جُعَيْلٍ فَقَالَ:
أَصْبَحَتِ الْأُمَّةُ فِي أَمْرٍ عَجَبْ ... وَالْمُلْكُ مَجْمُوعٌ غَدًا لِمَنْ غَلَبْ
فَقُلْتُ قَوْلًا صَادِقًا غَيْرَ كَذِبْ ... إِنَّ غَدًا تَهْلَكُ أَعْلَامُ الْعَرَبْ
وَعَبَّى عَلِيٌّ لَيْلَتَهُ حَتَّى الصَّبَاحِ (وَزَحَفَ بِالنَّاسِ) ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ فِي أَهْلِ الشَّامِ، فَسَأَلَ عَلِيٌّ عَنِ الْقَبَائِلِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَعَرَفَ مَوَاقِفَهُمْ، فَقَالَ لِلْأَزْدِ: اكْفُونَا الْأَزْدَ، وَقَالَ لَخَثْعَمَ: اكْفُونَا خَثْعَمَ، وَأَمَرَ كُلَّ قَبِيلَةٍ أَنْ تَكْفِيَهُ أُخْتَهَا مِنَ الشَّامِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَبِيلَةٌ لَيْسَ مِنْهَا بِالشَّامِ أَحَدٌ، فَيَصْرِفَهَا إِلَى قَبِيلَةٍ أُخْرَى مِنَ الشَّامِ، لَيْسَ بِالْعِرَاقِ مِنْهُمْ أَحَدٌ، مُثْلُ بَجِيلَةَ لَمْ يَكُنْ بِالشَّامِ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ، صَرَفَهُمْ إِلَى لَخْمٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute