للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَنَاهَضَ النَّاسُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا عِنْدَ الْمَسَاءِ، وَكُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ صَلَّى عَلِيٌّ بِغَلَسَ، وَخَرَجَ بِالنَّاسِ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ، فَزَحَفَ إِلَيْهِمْ وَزَحَفُوا مَعَهُ، وَكَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ عَلِيٍّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَالْقُرَّاءُ مَعَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ: عَمَّارٍ، وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلٍ، وَالنَّاسُ عَلَى رَايَاتِهِمْ وَمَرَاكِزِهِمْ، وَعَلِيٌّ فِي الْقَلْبِ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَأَكْثَرُ مَنْ مَعَهُ مَنْ أَهَّلَ الْمَدِينَةَ الْأَنْصَارُ، وَمَعَهُ عَدَدٌ مِنْ خُزَاعَةَ وَكِنَانَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَزَحَفَ إِلَيْهِمْ. وَرَفَعَ مُعَاوِيَةُ قُبَّةً عَظِيمَةً، فَأَلْقَى عَلَيْهَا الثِّيَابَ، وَبَايَعَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى الْمَوْتِ، وَأَحَاطَ بِقُبَّتِهِ خَيْلُ دِمَشْقَ. وَزَحَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ فِي الْمَيْمَنَةِ نَحْوَ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَهُوَ فِي مَيْسَرَةِ مُعَاوِيَةَ، فَلَمْ يَزَلْ يَحُوزُهُ وَيَكْشِفُ خَيْلَهُ حَتَّى اضْطَرَّهُمْ إِلَى قُبَّةِ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ الظُّهْرِ، وَحَرَّضَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: أَلَا إِنَّ مُعَاوِيَةَ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ، وَنَازَعَ الْحَقَّ أَهْلَهُ، وَعَانَدَ مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ، وَجَادَلَ بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضَ بِهِ الْحَقَّ، وَصَالَ عَلَيْكُمْ بِالْأَعْرَابِ وَالْأَحْزَابِ الَّذِينَ قَدْ زَيَّنَ لَهُمُ الضَّلَالَةَ، وَزَرَعَ فِي قُلُوبِهِمْ حُبَّ الْفِتْنَةِ، وَلَبَّسَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرَ، وَزَادَهُمْ رَجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ، فَقَاتِلُوا الطُّغَاةَ الْجُفَاةَ وَلَا تَخْشَوْهُمْ، {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: ١٤] .

وَحَرَّضَ عَلِيٌّ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ فِي كَلَامٍ لَهُ: فَسَوُّوا صُفُوفَكُمْ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ، وَقَدِّمُوا الدَّارِعَ، وَأَخِّرُوا الْحَاسِرَ، وَعَضُّوا عَلَى الْأَضْرَاسِ، فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ، وَالْتَوُوا فِي الْأَطْرَافِ فَإِنَّهُ أَصْوَنُ لِلْأَسِنَّةِ، وَغُضُّوا الْأَبْصَارَ فَإِنَّهُ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ، وَأَسْكَنُ لِلْقَلْبِ، وَأَمِيتُوا الْأَصْوَاتَ، فَإِنَّهُ طَرَدٌ لِلْفَشَلِ، وَأَوْلَى بِالْوَقَارِ، رَايَاتُكُمْ فَلَا تُمِيلُوهَا وَلَا تُزِيلُوهَا، وَلَا تَجْعَلُوهَا إِلَّا بِأَيْدِي شُجْعَانِكُمْ، وَاسْتَعِينُوا بِالصِّدْقِ وَالصَّبْرِ، فَإِنَّ بَعْدَ الصَّبْرِ يَنْزِلُ (عَلَيْكُمُ) النَّصْرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>