قِيلَ: إِنَّ أَبَا الْغَادِيَةِ قَتَلَ عَمَّارًا، وَعَاشَ إِلَى زَمَنِ الْحَجَّاجِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ فَأَكْرَمَهُ الْحَجَّاجُ وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ قَتَلْتَ ابْنَ سُمَيَّةَ؟ يَعْنِي عَمَّارًا. قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَظِيمِ الْبَاعِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا الَّذِي قَتَلَ ابْنَ سُمَيَّةَ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَبُو الْغَادِيَةِ حَاجَتَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: نُوَطِّئُ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَا يُعْطُونَا مِنْهَا، وَيَزْعُمُ أَنِّي عَظِيمُ الْبَاعِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ! [فَقَالَ الْحَجَّاجُ] : أَجَلْ وَاللَّهِ، مَنْ كَانَ ضِرْسُهُ مِثْلَ أُحُدٍ، وَفَخِذُهُ مِثْلَ جَبَلِ وَرِقَانَ، وَمَجْلِسُهُ مِثْلَ الْمَدِينَةِ وَالرَّبَذَةِ، إِنَّهُ لَعَظِيمُ الْبَاعِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ عَمَّارًا قَتَلَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ لَدَخَلُوا كُلُّهُمُ النَّارَ.
وَقَالَ [أَبُو] عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: لَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ دَخَلْتُ عَسْكَرَ مُعَاوِيَةَ لِأَنْظُرَ هَلْ بَلَغَ مِنْهُمْ قَتْلُ عَمَّارٍ مَا بَلَغَ مِنَّا، وَكُنَّا إِذَا تَرَكْنَا الْقِتَالَ تَحَدَّثُوا إِلَيْنَا وَتَحَدَّثْنَا إِلَيْهِمْ، فَإِذَا مُعَاوِيَةُ، وَعَمْرٌو، وَأَبُو الْأَعْوَرِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، يَتَسَايَرُونَ، فَأَدْخَلْتُ فَرَسِي بَيْنَهُمْ لِئَلَّا يَفُوتَنِي مَا يَقُولُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَبِيهِ: يَا أَبَهْ، قَتَلْتُمْ هَذَا الرَّجُلَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ، قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: «أَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ يَنْقُلُونَ فِي بِنَاءِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: " وَيْحَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ، النَّاسُ يَنْقُلُونَ لَبِنَةً لَبِنَةً وَأَنْتَ تَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ رَغْبَةً فِي الْأَجْرِ، وَأَنْتَ مَعَ ذَلِكَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» ". فَقَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: أَمَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ؟ قَالَ: وَمَا يَقُولُ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟ إِنَّمَا قَتَلَهُ مَنْ جَاءَ بِهِ، فَلَا أَدْرِي مَنْ كَانَ أَعْجَبَ أَهُوَ أَمْ هُمْ.
فَلَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ قَالَ عَلِيٌّ لِرَبِيعَةَ وَهَمْدَانَ: أَنْتُمْ دِرْعِي وَرُمْحِي، فَانْتُدِبَ لَهُ نَحْوٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَقَدَّمَهُمْ عَلِيٌّ عَلَى بَغْلَةٍ، فَحَمَلُوا مَعَهُ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَبْقَ لِأَهْلِ الشَّامِ صَفٌّ إِلَّا انْتَفَضَ، وَقَتَلُوا كُلَّ مَنِ انْتَهَوْا إِلَيْهِ حَتَّى بَلَغُوا مُعَاوِيَةَ، وَعَلِيٌّ يَقُولُ:
أَقْتُلُهُمْ وَلَا أَرَى مُعَاوِيهْ ... الْجَاحِظَ الْعَيْنِ الْعَظِيمَ الْحَاوِيَهْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute