للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ نَادَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: عَلَامَ يُقَتَّلُ النَّاسُ بَيْنَنَا؟ هَلُمَّ أُحَاكِمْكَ إِلَى اللَّهِ، فَأَيُّنَا قَتَلَ صَاحِبَهُ اسْتَقَامَتْ لَهُ الْأُمُورُ. فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَنْصَفْتَ. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا أَنْصَفْتَ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَبْرُزْ إِلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا قَتَلَهُ. فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: مَا يَحْسُنُ بِكَ تَرْكُ مُبَارَزَتِهِ. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: طَمِعْتَ فِيهَا بَعْدِي! وَكَانَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ قَدْ وَكَّلُوا بِهِ رَجُلَيْنِ يُحَافِظَانِهِ لِئَلَّا يُقَاتِلَ، وَكَانَ يَحْمِلُ إِذَا غَفَلَا، فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يُخَضِّبَ سَيْفَهُ، وَإِنَّهُ حَمَلَ مَرَّةً فَلَمْ يَرْجِعْ حَتَّى (انْثَنَى سَيْفُهُ، فَأَلْقَاهُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّهُ انْثَنَى) مَا رَجَعْتُ إِلَيْكُمُ ابْنَ إِسْحَاقَ فَقَالَ الْأَعْمَشُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: هَذَا وَاللَّهِ ضَرْبُ غَيْرِ مُرْتَابٍ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعَ الْقَوْمُ شَيْئًا فَأَدَّوْهُ مَا كَانُوا بِكَاذِبِينَ.

وَأَسَرَ مُعَاوِيَةُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: اقْتُلْهُمْ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ الْأَوْدِيُّ: لَا تَقْتُلْنِي فَإِنَّكَ خَالِي. قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنَا خَالُكَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَوْدٍ مُصَاهَرَةٌ؟ قَالَ: إِنْ أَخْبَرْتُكَ فَهُوَ أَمَانِي عِنْدَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَلَيْسَتْ أُخْتُكُ أُمَّ حَبِيبَةٍ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَإِنِّي ابْنُهَا وَأَنْتَ أَخُوهَا، فَأَنْتَ خَالِي. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا لَهُ لِلَّهِ أَبُوهُ! أَمَا كَانَ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ يَفْطَنُ لَهَا غَيْرُهُ؟ وَخَلَّى سَبِيلَهُ، وَكَانَ قَدْ أَسَرَ عَلِيٌّ أَسَارَى كَثِيرَةً، فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ، فَجَاءُوا مُعَاوِيَةَ وَإِنَّ عَمْرًا لَيَقُولُ لَهُ، وَقَدْ أَسَرَ أَيْضًا أَسَارَى كَثِيرَةً: اقْتُلْهُمْ، فَلَمَّا وَصَلَ أَصْحَابُهُمْ قَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا عَمْرُو لَوْ أَطَعْنَاكَ فِي هَؤُلَاءِ الْأَسَارَى لَوَقَعْنَا فِي قَبِيحٍ مِنَ الْأَمْرِ، وَخَلَّى سَبِيلَ مَنْ عِنْدَهُ.

وَأَمَّا هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ، فَإِنَّهُ دَعَا النَّاسَ عِنْدَ الْمَسَاءِ وَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يُرِيدُ اللَّهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِلَيَّ! فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ، فَحَمَلَ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ مِرَارًا، وَيَصْبِرُونَ لَهُ، وَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَا يَهُولَنَّكُمْ مَا تَرَوْنَ مِنْ صَبْرِهِمْ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا حَمِيَّةُ الْعَرَبِ وَصَبْرُهَا تَحْتَ رَايَاتِهَا، وَإِنَّهُمْ لَعَلَى الضَّلَالِ، وَإِنَّكُمْ لَعَلَى الْحَقِّ. ثُمَّ حَرَّضَ أَصْحَابَهُ وَحَمَلَ فِي عِصَابَةٍ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، حَتَّى رَأَوْا بَعْضَ مَا يُسَرُّونَ بِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>