فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ شَابٌ وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا ابْنُ أَرْبَابِ الْمُلُوكِ غَسَّانْ ... وَالدَّائِنُ الْيَوْمَ بِدِينِ عُثْمَانْ
نَبَّأَنَا قُرَّاؤُنَا بِمَا كَانْ ... أَنَّ عَلِيًّا قَتَلَ ابْنَ عَفَّانْ
ثُمَّ يَحْمِلُ، فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ، وَيَشْتُمَ وَيَلْعَنَ. فَقَالَ لَهُ هَاشِمٌ: يَا هَذَا، إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ بَعْدَهُ الْخِصَامُ، وَإِنَّ هَذَا الْقِتَالَ بَعْدَهُ الْحِسَابُ، فَاتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّهُ سَائِلُكَ عَنْ هَذَا الْمَوْقِفِ، وَمَا أَرَدْتَ بِهِ. قَالَ: فَإِنِّي أُقَاتِلُكُمْ لِأَنَّ صَاحِبَكُمْ لَا يُصَلِّي وَأَنْتُمْ لَا تُصَلُّونَ، وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ قَتَلَ خَلِيفَتَنَا، وَأَنْتُمْ سَاعَدْتُمُوهُ عَلَى قَتْلِهِ. فَقَالَ لَهُ هَاشِمٌ: مَا أَنْتَ وَعُثْمَانَ، قَتَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبْنَاءُ أَصْحَابِهِ وَقُرَّاءُ النَّاسِ، وَهُمْ أَهْلُ الدِّينِ وَالْعِلْمِ، وَمَا أَهْمَلَ أَمْرَ هَذَا الدِّينِ طَرْفَةَ عَيْنٍ. وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّ صَاحِبَنَا لَا يُصَلِّي، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى، وَأَفْقَهُ خَلْقِ اللَّهِ فِي دِينِ اللَّهِ، وَأَوْلَى بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا كُلُّ مَنْ تَرَى مَعِي فَكُلُّهُمْ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ، لَا يَنَامُ اللَّيْلَ تَهَجُّدًا، فَلَا يُغْوِيَنَّكَ هَؤُلَاءِ الْأَشْقِيَاءُ. فَقَالَ الْفَتَى: فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، تُبْ إِلَى اللَّهِ يَتُبْ عَلَيْكَ، فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ. فَرَجَعَ الْفَتَى، فَقَالَ لَهُ أَهْلُ الشَّامِ: خَدَعَكَ الْعِرَاقِيُّ. فَقَالَ: كَلَّا، وَلَكِنْ نَصَحَ لِي. وَقَاتَلَ هَاشِمٌ وَأَصْحَابُهُ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى رَأَوُا الظَّفَرَ، فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الْمَغْرِبِ كَتِيبَةٌ لِتَنُوخَ، فَقَاتَلَهُمْ هَاشِمٌ وَهُوَ يَقُولُ:
أَعْوَرُ يَبْغِي أَهْلَهُ مَحَلَّا ... لَا بُدَّ أَنْ يَفُلَّ أَوْ يُفَلَّا
قَدْ عَالَجَ الْحَيَاةَ حَتَّى مَلَّا ... يَتُلُّهُمْ بِذِي الْكُعُوبِ تَلَّا
فَقَتَلَ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةً أَوْ عَشَرَةً، وَحَمَلَ عَلَيْهِ الْحَارِثُ بْنُ الْمُنْذِرِ التَّنُوخِيُّ فَطَعَنَهُ فَسَقَطَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ أَنْ قَدِّمْ لِوَاءَكَ. فَقَالَ لِرَسُولِهِ: انْظُرْ إِلَى بَطْنِي، فَإِذَا هُوَ [قَدْ] انْشَقَّ. فَقَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ غَزِيَّةَ الْأَنْصَارِيُّ:
فَإِنْ تَفْخَرُوا بِابْنِ الْبُدَيْلِ وَهَاشِمٍ ... فَنَحْنُ قَتَلْنَا ذَا الْكَلَاعِ وَحَوْشَبَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute