وَنَحْنُ تَرَكْنَا عِنْدَ مُعْتَرَكِ الْقَنَا
أَخَاكَ عُبَيْدَ اللَّهِ لَحْمًا مُلَحَّبًا ... وَنَحْنُ أَحَطْنَا بِالْبَعِيرِ وَأَهْلِهِ
وَنَحْنُ سَقَيْنَاكُمْ سِمَامًا مُقَشَّبًا
وَمَرَّ عَلِيٌّ بِكَتِيبَةٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَرَآهُمْ لَا يَزُولُونَ، وَهُمْ غَسَّانُ، فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُزَالُونَ إِلَّا بِطَعْنٍ وَضَرْبٍ يَفْلِقُ الْهَامَ وَيُطِيحُ الْعِظَامَ تَسْقُطُ مِنْهُ الْمَعَاصِمُ وَالْأَكُفُّ وَحَتَّى تُقْرَعَ جِبَاهُهُمْ بِعُمُدِ الْحَدِيدِ، أَيْنَ أَهْلُ النَّصْرِ وَالصَّبْرِ طُلَّابُ الْأَجْرِ؟ فَأَتَاهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَدَعَا ابْنَهُ مُحَمَّدًا فَقَالَ لَهُ: تَقَدَّمْ نَحْوَ هَذِهِ الرَّايَةِ مَشْيًا رُوَيْدًا عَلَى هِينَتِكَ، حَتَّى إِذَا أُشْرِعَتْ فِي صُدُورِهِمُ الرِّمَاحُ، فَأَمْسِكْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي. فَفَعَلَ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَلِيٌّ مِثْلَهُمْ، وَسَيَّرَهُمْ إِلَى ابْنِهِ مُحَمَّدٍ، وَأَمْرَهُ بِقِتَالِهِمْ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ فَأَزَالُوهُمْ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ، وَأَصَابُوا مِنْهُمْ رِجَالًا. وَمَرَّ الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ الْمُرَادِيُّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ الْمُرَادِيِّ وَهُوَ صَرِيعٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَا أَسْوَدُ! قَالَ: لَبَّيْكَ! وَعَرَفَهُ وَقَالَ لَهُ: عَزَّ عَلَيَّ مَصْرَعُكَ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانَ جَارُكَ لَيَأْمَنُ بَوَائِقَكَ، وَإِنْ كُنْتَ لَمِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا، أَوْصِنِي رَحِمَكَ اللَّهُ. فَقَالَ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأَنَّ تُنَاصِحَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْ تُقَاتِلَ مَعَهُ الْمُحِلِّينِ حَتَّى تَظْهَرَ أَوْ تَلْحَقَ بِاللَّهِ، وَأَبْلِغْهُ عَنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ: قَاتِلْ عَلَى الْمَعْرَكَةِ حَتَّى تَجْعَلَهَا خَلْفَ ظَهْرِكَ، فَإِنَّهُ مَنْ أَصْبَحَ غَدًا وَالْمَعْرَكَةُ خَلْفَ ظَهْرِهِ كَانَ الْعَالِي. ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَأَقْبَلَ الْأَسْوَدُ إِلَى عَلِيٍّ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ، جَاهَدَ عَدُوَّنَا فِي الْحَيَاةِ وَنَصَحَ لَنَا فِي الْوَفَاةِ.
وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي أَشَارَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ بِهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَنْبَلِ الْجُمَحِيُّ. قَالَ: فَاقْتَتَلَ النَّاسُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ كُلَّهَا إِلَى الصَّبَاحِ، وَهِيَ لَيْلَةُ الْهُرَيْرِ، فَتَطَاعَنُوا حَتَّى تَقَصَّفَتِ الرِّمَاحُ، وَتَرَامَوْا حَتَّى نَفِدَ النَّبْلُ وَأَخَذُوا السُّيُوفَ، وَعَلِيٌّ يَسِيرُ فِيمَا بَيْنَ الْمَيْمَنَةِ وَالْمَيْسَرَةِ، وَيَأْمُرُ كُلَّ كَتِيبَةٍ أَنْ تَقَدَّمَ عَلَى الَّتِي تَلِيهَا، فَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحَ، وَالْمَعْرَكَةُ كُلُّهَا خَلْفَ ظَهْرِهِ، وَالْأَشْتَرُ فِي الْمَيْمَنَةِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْمَيْسَرَةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْقَلْبِ، وَالنَّاسُ يَقْتَتِلُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَخَذَ الْأَشْتَرُ يَزْحَفُ بِالْمَيْمَنَةِ وَيُقَاتِلُ فِيهَا، وَكَانَ قَدْ تَوَلَّاهَا عَشِيَّةَ الْخَمِيسِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute