وَيَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: ازْحَفُوا قَيْدَ هَذَا الرُّمْحِ، وَيَزْحَفُ بِهِمْ نَحْوَ أَهْلِ الشَّامِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ قَالَ: ازْحَفُوا قَيْدَ هَذِهِ الْقَوْسِ، فَإِذَا فَعَلُوا سَأَلَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى مَلَّ أَكْثَرُ النَّاسِ الْإِقْدَامَ. فَلَمَّا رَأَى الْأَشْتَرُ ذَلِكَ قَالَ: أُعِيذُكُمْ بِاللَّهِ أَنْ تَرْضَعُوا الْغَنَمَ سَائِرَ الْيَوْمِ! ثُمَّ دَعَا بِفَرَسِهِ فَرَكِبَهُ، وَتَرَكَ رَايَتَهُ مَعَ حَيَّانِ بْنِ هَوْذَةَ النَّخَعِيِّ، وَخَرَجَ يَسِيرُ فِي الْكَتَائِبِ وَيَقُولُ: مَنْ يَشْتَرِي نَفْسَهُ وَيُقَاتِلُ مَعَ الْأَشْتَرِ، [حَتَّى] يَظْهَرَ أَوْ يَلْحَقَ بِاللَّهِ؟ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ، فِيهِمْ حَيَّانُ بْنُ هَوْذَةَ النَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُ، فَرَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقَالَ لَهُمْ: شُدُّوا شَدَّةً، فِدًى لَكُمْ خَالِيَ وَعَمِّي، تُرْضُونَ بِهَا الرَّبَّ وَتُعِزُّونَ بِهَا الدِّينَ! ثُمَّ نَزَلَ وَضَرَبَ وَجْهَ دَابَّتِهِ، وَقَالَ لِصَاحِبِ رَايَتِهِ: اقْدِمْ بِهَا، وَحَمَلَ عَلَى الْقَوْمِ وَحَمَلُوا مَعَهُ، فَضَرَبَ أَهْلَ الشَّامِ حَتَّى انْتَهَى بِهِمْ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، ثُمَّ قَاتَلُوهُ عِنْدَ الْعَسْكَرِ قِتَالًا شَدِيدًا، وَقُتِلَ صَاحِبُ رَايَتِهِ. وَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ الظَّفَرَ مِنْ نَاحِيَتِهِ أَمَدَّهُ بِالرِّجَالِ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِوَرْدَانَ مَوْلَاهُ: أَتَدْرِي مَا مَثَلِي وَمَثَلُكَ وَمَثَلُ الْأَشْتَرِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: كَالْأَشْقَرِ، إِنْ تَقَدَّمَ عُقِرَ، وَإِنَّ تَأَخَّرَ عُقِرَ، لَئِنْ تَأَخَّرْتَ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَأُورِدَنَّكَ حِيَاضَ الْمَوْتِ، (ضَعْ يَدَكَ عَلَى عَاتِقِي، ثُمَّ جَعَلَ يَتَقَدَّمُ وَيَتَقَدَّمُ وَيَقُولُ: لَأُورِدَنَّكَ حِيَاضَ الْمَوْتِ) ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ.
[رَفْعُ الْمَصَاحِفِ وَالدَّعْوَةُ إِلَى الْحُكُومَةِ]
فَلَمَّا رَأَى عَمْرٌو أَنَّ أَمْرَ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَدِ اشْتَدَّ، وَخَافَ الْهَلَاكَ، قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: هَلْ لَكَ فِي أَمْرٍ أَعْرِضُهُ عَلَيْكَ لَا يَزِيدُنَا إِلَّا اجْتِمَاعًا، وَلَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا فُرْقَةً؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: نَرْفَعُ الْمَصَاحِفَ، ثُمَّ نَقُولُ لِمَا فِيهَا: هَذَا حَكَمٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، فَإِنْ أَبَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَقْبَلَهَا وَجَدْتَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ: يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقْبَلَ، فَتَكُونُ فُرْقَةٌ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ قَبِلُوا مَا فِيهَا، رَفَعْنَا الْقِتَالَ عَنَّا إِلَى أَجَلٍ.
فَرَفَعُوا الْمَصَاحِفَ بِالرِّمَاحِ وَقَالُوا: هَذَا حُكْمُ كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، مَنْ لِثُغُورِ الشَّامِ بَعْدَ أَهْلِهِ؟ مَنْ لِثُغُورُ الْعِرَاقِ بَعْدَ أَهْلِهِ؟ فَلَمَّا رَآهَا النَّاسُ قَالُوا: نُجِيبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute