مُحِقِّينَ؟ أَحِينَ تُقَاتِلُونَ وَخِيَارُكُمْ يُقْتَلُونَ؟ فَأَنْتُمُ الْآنَ إِذْ أَمْسَكْتُمْ عَنِ الْقِتَالِ، مُبْطِلُونَ أَمْ أَنْتُمُ الْآنَ مُحِقُّونَ؟ فَقَتْلَاكُمُ الَّذِينَ لَا تُنْكِرُونَ فَضْلَهُمْ، وَهُمْ خَيْرٌ مِنْكُمْ، فِي النَّارِ. قَالُوا: دَعْنَا مِنْكَ يَا أَشْتَرُ، قَاتَلْنَاهُمْ لِلَّهِ، وَنَدَعُ قِتَالَهُمْ لِلَّهِ! قَالَ: خُدِعْتُمْ فَانْخَدَعْتُمْ، وَدُعِيتُمْ إِلَى وَضْعِ الْحَرْبِ فَأَجَبْتُمْ، يَا أَصْحَابَ الْجِبَاهِ السُّودِ! (كُنَّا نَظُنُّ) صَلَاتَكُمْ زَهَادَةً فِي الدُّنْيَا وَشَوْقًا إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ، فَلَا أَرَى مُرَادَكُمْ إِلَّا الدُّنْيَا، أَلَا قُبْحًا يَا أَشْبَاهَ النَّيِّبِ الْجَلَّالَةِ! مَا أَنْتُمْ بِرَائِينَ بَعْدَهَا عِزًّا أَبَدًا، فَابْعُدُوا كَمَا بَعُدَ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ! فَسَبُّوهُ وَسَبَّهُمْ، وَضَرَبُوا وَجْهَ دَابَّتِهِ بِسِيَاطِهِمْ، وَضَرَبَ وُجُوهَ دَوَابِّهِمْ بِسَوْطِهِ، فَصَاحَ بِهِ وَبِهِمْ عَلِيٌّ فَكَفُّوا. وَقَالَ النَّاسُ: قَدْ قَبِلْنَا أَنْ نَجْعَلَ الْقُرْآنَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ حَكَمًا.
فَجَاءَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: أَرَى النَّاسَ قَدْ رَضُوا بِمَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنْ حُكْمِ الْقُرْآنِ، فَإِنْ شِئْتَ أَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ فَسَأَلَتُهُ مَا يُرِيدُ. قَالَ: ائْتِهِ. فَأَتَاهُ، فَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: لِأَيِّ شَيْءٍ رَفَعْتُمْ هَذِهِ الْمَصَاحِفَ؟ قَالَ: لِنَرْجِعَ نَحْنُ وَأَنْتُمْ إِلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ، تَبْعَثُونَ رَجُلًا تَرْضَوْنَ بِهِ، وَنَبْعَثُ نَحْنُ رَجُلًا نَرْضَى بِهِ، نَأْخُذُ عَلَيْهِمَا أَنْ يَعْمَلَا بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ لَا يَعْدُوَانِهِ، ثُمَّ نَتَّبِعُ مَا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ. قَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ: هَذَا الْحَقُّ. فَعَادَ إِلَى عَلِيٍّ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ رَضِينَا وَقَبِلْنَا. فَقَالَ أَهْلُ الشَّامِ. قَدْ رَضِينَا عَمْرًا. وَقَالَ الْأَشْعَثُ وَأُولَئِكَ الْقَوْمُ الَّذِينَ صَارُوا خَوَارِجَ: إِنَّا قَدْ رَضِينَا بِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. فَقَالَ عَلِيٌّ: قَدْ عَصَيْتُمُونِي فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَلَا تَعْصَوْنِي الْآنَ، لَا أَرَى أَنْ أُوَلِّيَ أَبَا مُوسَى. فَقَالَ الْأَشْعَثُ وَزَيْدُ بْنُ حُصَيْنٍ وَمِسْعَرُ بْنُ فَدَكِيٍّ: لَا نَرْضَى إِلَّا بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ حَذَّرَنَا مَا وَقَعْنَا فِيهِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ، قَدْ فَارَقَنِي وَخَذَّلَ النَّاسَ عَنِّي، ثُمَّ هَرَبَ مِنِّي، حَتَّى آمَنْتُهُ بَعْدَ أَشْهُرٍ، وَلَكِنْ هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ أُوَلِّيهِ ذَلِكَ. قَالُوا: وَاللَّهِ لَا نُبَالِي أَنْتَ كُنْتَ أَمِ ابْنُ عَبَّاسٍ! لَا نُرِيدُ إِلَّا رَجُلًا هُوَ مِنْكَ وَمِنْ مُعَاوِيَةَ سَوَاءٌ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنِّي أَجْعَلُ الْأَشْتَرَ. قَالُوا: وَهَلْ سَعَّرَ الْأَرْضَ غَيْرُ الْأَشْتَرِ؟ فَقَالَ: قَدْ أَبَيْتُمْ إِلَّا أَبَا مُوسَى؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَاصْنَعُوا مَا أَرَدْتُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute