فَبَعَثُوا إِلَيْهِ، وَقَدِ اعْتَزَلَ الْقِتَالَ، وَهُوَ بِعُرْضٍ، فَأَتَاهُ مَوْلًى لَهُ فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اصْطَلَحُوا. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ: قَدْ جَعَلُوكَ حَكَمًا. قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَجَاءَ أَبُو مُوسَى حَتَّى دَخَلَ الْعَسْكَرَ، وَجَاءَ الْأَشْتَرُ عَلِيًّا فَقَالَ: أَلِزَّنِي بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ مَلَأْتَ عَيْنِي مِنْهُ لَأَقْتُلَنَّهُ. وَجَاءَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ قَدْ رُمِيتَ بِحَجَرِ الْأَرْضِ، وَإِنِّي قَدْ عَجَمْتُ أَبَا مُوسَى، وَحَلَبْتُ أَشْطُرَهُ، فَوَجَدْتُهُ كَلَيْلَ الشَّفْرَةِ، قَرِيبَ الْقَعْرِ، وَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ إِلَّا رَجُلٌ يَدْنُو مِنْهُمْ، حَتَّى يَصِيرَ فِي أَكُفِّهِمْ، وَيَبْعُدُ حَتَّى يَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ النَّجْمِ مِنْهُمْ، فَإِنْ أَبَيْتَ أَنْ تَجْعَلَنِي حَكَمًا، فَاجْعَلْنِي ثَانِيًا أَوْ ثَالِثًا، فَإِنَّهُ لَنْ يَعْقِدَ عُقْدَةً إِلَّا حَلَلْتُهَا، وَلَا يَحُلُّ عُقْدَةً أَعْقِدُهَا لَكَ، إِلَّا عَقَدْتُ أُخْرَى أَحْكَمَ مِنْهَا.
فَأَبَى النَّاسُ إِلَّا أَبَا مُوسَى وَالرِّضَا بِالْكِتَابِ. فَقَالَ الْأَحْنَفُ: إِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا أَبَا مُوسَى فَأَدْفِئُوا ظَهْرَهُ بِالرِّجَالِ.
وَحَضَرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عِنْدَ عَلِيٍّ لِيَكْتُبَ الْقَضِيَّةَ بِحُضُورِهِ، فَكَتَبُوا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا تَقَاضَى عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ عَمْرٌو: [اكْتُبِ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ] ، هُوَ أَمِيرُكُمْ وَأَمَّا أَمِيرُنَا فَلَا. فَقَالَ الْأَحْنَفُ: لَا تَمْحُ اسْمَ إِمَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنِّي أَخَافُ إِنْ مَحَوْتَهَا أَنْ لَا تَرْجِعَ إِلَيْكَ أَبَدًا، لَا تَمْحُهَا وَإِنْ قَتَلَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. فَأَبَى ذَلِكَ عَلِيٌّ مَلِيًّا مِنَ النَّهَارِ، ثُمَّ إِنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ قَالَ: امْحُ هَذَا الِاسْمَ، فَمُحِيَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: اللَّهُ أَكْبَرُ! سُنَّةٌ بِسُنَّةٍ. وَاللَّهِ إِنِّي لَكَاتِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فَكَتَبْتُ: مُحَمَّدُ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَالُوا: لَسْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ، وَلَكِنِ اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَحْوِهِ، فَقُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ. فَقَالَ: أَرِنِيهِ، فَأَرَيْتُهُ، فَمَحَاهُ بِيَدِهِ وَقَالَ: إِنَّكَ سَتُدْعَى إِلَى مِثْلِهَا فَتُجِيبُ. فَقَالَ عَمْرٌو: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَنُشَبَّهُ بِالْكُفَّارِ وَنَحْنُ مُؤْمِنُونَ!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute