ضَلَالِ عَدُوِّي، أَوَلَسْتُمْ قَدْ رَأَيْتُمُ الظَّفَرَ؟ فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ ظَفَرًا، هَلُمَّ إِلَيْنَا لَا رَغْبَةَ بِكَ عَنَّا. فَقَالَ: بَلَى وَاللَّهِ، الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لِلْآخِرَةِ، لَقَدْ سَفَكَ اللَّهُ بِسَيْفِي دِمَاءَ رِجَالٍ مَا أَنْتَ خَيْرٌ عِنْدِي مِنْهُمْ، وَلَا أَحْرَمُ دَمًا. قَالَ: فَكَأَنَّمَا قَصَعَ اللَّهُ عَلَى أَنْفِ الْأَشْعَثِ الْحُمَمَ. وَخَرَجَ الْأَشْعَثُ بِالْكِتَابِ يَقْرَؤُهُ عَلَى النَّاسِ، حَتَّى مَرَّ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فِيهِمْ عُرْوَةُ بْنُ أُدَيَّةَ أَخُو أَبِي بِلَالٍ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ عُرْوَةُ: تُحَكِّمُونَ فِي أَمْرِ اللَّهِ الرِّجَالَ؟ لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ! ثُمَّ شَدَّ بِسَيْفِهِ فَضَرَبَ بِهِ عَجُزَ دَابَّةِ الْأَشْعَثِ ضَرْبَةً خَفِيفَةً، وَانْدَفَعَتِ الدَّابَّةُ، وَصَاحَ بِهِ أَصْحَابُ الْأَشْعَثِ، فَرَجَعَ، وَغَضِبَ لِلْأَشْعَثِ قَوْمُهُ (وَنَاسٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ) ، فَمَشَى إِلَيْهِ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، وَمِسْعَرُ بْنُ فَدَكِيٍّ، وَنَاسٌ مِنْ تَمِيمٍ فَاعْتَذَرُوا، فَقَبِلَ وَشَكَرَ.
وَكُتِبَ الْكِتَابُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يُوَافِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ مَوْضِعَ الْحَكَمَيْنِ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ أَوْ بِأَذْرُحٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَقِيلَ لَعَلِيٍّ: إِنَّ الْأَشْتَرَ لَا يُقِرُّ بِمَا فِي الصَّحِيفَةِ، وَلَا يَرَى إِلَّا قِتَالَ الْقَوْمِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: وَأَنَا وَاللَّهِ مَا رَضِيتُ وَلَا أَحْبَبْتُ أَنْ تَرْضَوْا، فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَرْضَوْا فَقَدْ رَضِيتُ، وَإِذَا رَضِيتُ فَلَا يَصْلُحُ الرُّجُوعُ بَعْدَ الرِّضَا، وَلَا التَّبْدِيلُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، إِلَّا أَنْ يُعْصَى اللَّهُ وَيُتَعَدَّى كِتَابُهُ، فَقَاتِلُوا مَنْ تَرَكَ أَمْرَ اللَّهِ، وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرْتُمْ مِنْ تَرْكِهِ أَمْرِي وَمَا أَنَا عَلَيْهِ (فَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ) فَلَسْتُ أَخَافُ عَلَى ذَلِكَ، يَا لَيْتَ فِيكُمْ مِثْلَهُ اثْنَيْنِ! يَا لَيْتَ فِيكُمْ مِثْلَهُ وَاحِدًا يَرَى فِي عَدُوِّي مَا أَرَى، إِذًا لَخَفَّتْ عَلَيَّ مَؤُونَتُكُمْ وَرَجَوْتُ أَنْ يَسْتَقِيمَ لِي بَعْضُ أَوَدِكُمْ، وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ فَعَصَيْتُمُونِي، فَكُنْتُ أَنَا وَأَنْتُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute