أَمِنْ مَرَضٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَعَلَّكَ كَرِهْتَهُ. قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّهُ بِغَيْرِي. فَقَالَ: أَلَيْسَ (احْتِسَابًا لِلْخَيْرِ) فِيمَا أَصَابَكَ؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: فَأَبْشِرْ بِرَحْمَةِ رَبِّكَ وَغُفْرَانِ ذَنْبِكَ، مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: صَالِحُ بْنُ سُلَيْمٍ. قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَمَّا الْأَصْلُ فَمِنْ سَلَامَانِ طَيِّءٍ، وَأَمَّا الدَّعْوَةُ وَالْجِوَارُ فَفِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ وَمَنِ اعْتَزَيْتَ إِلَيْهِ، وَاسْمَ ادِّعَائِكَ! هَلْ شَهِدْتَ مَعَنَا غَزَاتَنَا هَذِهِ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، وَلَقَدْ أَرَدْتُهَا وَلَكِنْ مَا تَرَى مِنْ أَثَرِ الْحُمَّى مَنَعَنِي عَنْهَا. فَقَالَ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى} [التوبة: ٩١] الْآيَةَ، خَبِّرْنِي مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيمَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَهْلِ الشَّامِ؟ قَالَ: فِيهِمُ الْمَسْرُورُ، وَهُمْ أَغِشَّاءُ النَّاسِ، وَفِيهِمُ الْمَكْبُوتُ الْآسِفُ بِمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، وَأُولَئِكَ نُصَحَاءُ النَّاسِ لَكَ. قَالَ: صَدَقْتَ، جَعَلَ اللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطًّا لِسَيِّئَاتِكَ، فَإِنَّ الْمَرَضَ لَا أَجْرَ فِيهِ، وَلَكِنْ لَا يَدَعُ عَلَى الْعَبْدِ ذَنْبًا إِلَّا حَطَّهُ، وَإِنَّمَا الْأَجْرُ فِي الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَالْعَمَلِ بِالْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَيُدْخِلُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَالسَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ عَالَمًا مِنْ عِبَادِهِ الْجَنَّةَ. ثُمَّ مَضَى غَيْرَ بَعِيدٍ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَدِيعَةَ الْأَنْصَارِيُّ، فَدَنَا مِنْهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَايَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا سَمِعْتَ النَّاسَ يَقُولُونَ فِي أَمْرِنَا؟ قَالَ: مِنْهُمُ الْمُعْجَبُ بِهِ وَمِنْهُمُ الْكَارِهُ لَهُ. قَالَ: فَمَا قَوْلُ ذَوِي الرَّأْيِ؟ قَالَ: يَقُولُونَ إِنَّ عَلِيًّا كَانَ لَهُ جَمْعٌ عَظِيمٌ فَفَرَّقَهُ، وَكَانَ حِصْنٌ حَصِينٌ فَهَدَّمَهُ، فَمَتَى يَبْنِي مَا هَدَمَ وَيَجْمَعُ مَا فَرَّقَ؟ وَلَوْ كَانَ مَضَى بِمَنْ أَطَاعَهُ (إِذْ عَصَاهُ) مِنْ عَصَاهُ، فَقَاتَلَ حَتَّى يَظْفَرَ أَوْ يَهْلَكَ كَانَ ذَلِكَ الْحَزْمُ. قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا هَدَمْتُ أَمْ هُمْ هَدَمُوا؟ أَنَا فَرَّقْتُ أَمْ هُمْ فَرَّقُوا؟ أَمَّا قَوْلُهُمْ: لَوْ كَانَ مَضَى بِمَنْ أَطَاعَهُ فَقَاتَلَ حَتَّى يَظْفَرَ أَوْ يَهْلَكَ، فَوَاللَّهِ مَا خَفِيَ هَذَا عَنِّي، وَإِنْ كُنْتُ لَسَخِيًّا بِنَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، طَيِّبَ النَّفْسِ بِالْمَوْتِ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْقَوْمِ فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ قَدِ ابْتَدَرَانِي - يَعْنِي الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ - وَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ قَدِ اسْتَقْدَمَانِي - يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ - فَعَلِمْتُ أَنَّ هَذَيْنِ إِنْ هَلَكَا انْقَطَعَ نَسْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَكَرِهَتُ ذَلِكَ، وَأَشْفَقْتُ عَلَى هَذَيْنِ أَنَّ يَهْلَكَا، وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ لَقِيتُهُمْ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا لَأَلْقَيَنَّهُمْ وَلَيْسُوا مَعِي فِي عَسْكَرٍ وَلَا دَارٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute