وَاللَّهِ مَا بَسَطَ عَلِيٌّ يَدَهُ فَبَايَعْنَاهُ قَطُّ، إِلَّا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَلَكِنَّكُمْ لَمَّا خَالَفْتُمُوهُ جَاءَتْهُ شِيعَتُهُ فَقَالُوا لَهُ: نَحْنُ أَوْلِيَاءُ مَنْ وَالَيْتَ، وَأَعْدَاءُ مَنْ عَادَيْتَ، وَنَحْنُ كَذَلِكَ، وَهُوَ عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى وَمَنْ خَالَفَهُ ضَالٌّ مُضِلٌّ.
وَبَعَثَ عَلِيٌّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ إِلَى الْخَوَارِجِ وَقَالَ: لَا تَعْجَلْ إِلَى جَوَابِهِمْ وَخُصُومَتِهِمْ حَتَّى آتِيَكَ. فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَأَقْبَلُوا يُكَلِّمُونَهُ، فَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى رَاجَعَهُمْ، فَقَالَ: مَا نَقَمْتُمْ مِنَ الْحَكَمَيْنِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: ٣٥] ، فَكَيْفَ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَتِ الْخَوَارِجُ: أَمَّا مَا جَعَلَ اللَّهُ حُكْمَهُ إِلَى النَّاسِ، وَأَمَرَهُمْ بِالنَّظَرِ فِيهِ، فَهُوَ إِلَيْهِمْ، وَمَا حَكَمَ فَأَمْضَاهُ فَلَيْسَ لِلْعِبَادِ أَنْ يَنْظُرُوا (فِيهِ، حَكَمَ فِي الزَّانِي مِائَةَ جِلْدَةٍ، وَفِي السَّارِقِ الْقَطْعَ، فَلَيْسَ لِلْعِبَادِ أَنْ يَنْظُرُوا) فِي هَذَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ٩٥] . فَقَالُوا: أَوَ تَجْعَلُ الْحُكْمَ فِي الصَّيْدِ وَالْحَرْثِ، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا كَالْحُكْمِ فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ؟ وَقَالُوا لَهُ: أَعَدْلٌ عِنْدَكَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَهُوَ بِالْأَمْسِ يُقَاتِلُنَا؟ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَلَسْنَا بِعُدُولٍ، وَقَدْ حَكَّمْتُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ الرِّجَالَ، وَقَدْ أَمْضَى اللَّهُ حُكْمَهُ فِي مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ، أَنْ يُقْتَلُوا أَوْ يَرْجِعُوا، وَقَدْ كَتَبْتُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا، وَجَعَلْتُمْ بَيْنَكُمُ الْمُوَادَعَةَ، وَقَدْ قَطَعَ اللَّهُ الْمُوَادَعَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ، مُذْ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ إِلَّا مَنْ أَقَرَّ بِالْجِزْيَةِ.
وَبَعَثَ عَلِيُّ زِيَادَ بْنَ النَّضْرِ فَقَالَ: انْظُرْ بِأَيٍّ رُؤُوسِهِمْ [هُمْ] أَشَدُّ إِطَافَةً. فَأَخْبِرْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُمْ عِنْدَ رَجُلِ أَكْثَرَ مِنْهُمْ عِنْدَ يَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ.
فَخَرَجَ عَلِيٌّ فِي النَّاسِ حَتَّى دَخَلَ إِلَيْهِمْ، فَأَتَى فُسْطَاطَ يَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ، فَدَخَلَهُ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَأَمَّرَهُ عَلَى أَصْبَهَانَ وَالرَّيِّ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ، وَهُمْ يُخَاصِمُونَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ كَلَامِهِمْ؟ ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا مَقَامٌ مَنْ يَفْلُجُ فِيهِ كَانَ أَوْلَى بِالْفُلْجِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: مَنْ زَعِيمُكُمْ؟ قَالُوا: ابْنُ الْكَوَّا. قَالَ: فَمَا أَخْرَجَكُمْ عَلَيْنَا؟ قَالُوا: حُكُومَتُكَ يَوْمَ صِفِّينَ. قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ حَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute