للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ وَقُلْتُمْ نُجِيبُهُمْ، قَلْتُ لَكُمْ: إِنِّي أَعْلَمُ بِالْقَوْمِ مِنْكُمْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَصْحَابِ دِينٍ؟ وَذَكَرَ مَا كَانَ قَالَ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: قَدِ اشْتَرَطْتُ عَلَى الْحَكَمَيْنِ أَنْ يُحْيِيَا مَا أَحْيَا الْقُرْآنُ، وَيُمِيتَا مَا أَمَاتَ الْقُرْآنُ، فَإِنْ حَكَمَا بِحُكْمِ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُخَالِفَ، وَإِنْ أَبَيَا فَنَحْنُ عَنْ حُكْمِهِمَا بُرَآءٌ.

قَالُوا: فَخَبِّرْنَا، أَتَرَاهُ عَدْلًا تَحْكِيمَ الرِّجَالِ فِي الدِّمَاءِ؟ فَقَالَ: إِنَّا لَسْنَا حَكَّمْنَا الرِّجَالَ، إِنَّمَا حَكَّمْنَا الْقُرْآنَ، وَهَذَا الْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطٌّ مَسْطُورٌ بَيْنَ دَفَّتَيْنِ، لَا يَنْطِقُ إِنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ الرِّجَالُ. قَالُوا: فَخَبِّرْنَا عَنِ الْأَجَلِ، لِمَ جَعَلْتَهُ بَيْنَكُمْ؟ قَالَ: لِيَعْلَمَ الْجَاهِلُ وَيَتَثَبَّتَ الْعَالِمُ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يُصْلِحُ فِي هَذِهِ الْهُدْنَةِ هَذِهِ الْأُمَّةَ، ادْخُلُوا مِصْرَكُمْ - رَحِمَكُمُ اللَّهُ -. فَدَخَلُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ.

قِيلَ: وَالْخَوَارِجُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ: صَدَقْتَ، قَدْ كُنَّا كَمَا ذَكَرْتَ، وَكَانَ ذَلِكَ كُفْرًا مِنَّا، تُبْنَا إِلَى اللَّهِ، فَتُبْ كَمَا تُبْنَا نُبَايِعْكَ، وَإِلَّا فَنَحْنُ مُخَالِفُونَ. فَبَايَعَنَا عَلِيٌّ، وَقَالَ: ادْخُلُوا، فَلْنَمْكُثْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ حَتَّى نَجْبِيَ الْمَالَ، وَيَسْمُنَ الْكُرَاعُ، ثُمَّ نَخْرُجُ إِلَى عَدُوِّنَا. وَقَدْ (كَذَبَ الْخَوَارِجُ فِيمَا زَعَمُوا) .

ذكر اجْتِمَاعِ الْحَكَمَيْنِ

وَلَمَّا جَاءَ وَقْتُ اجْتِمَاعِ الْحَكَمَيْنِ، أَرْسَلَ عَلِيٌّ أَرْبَعَمِائَةِ رَجُلٍ، عَلَيْهِمْ شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ الْحَارِثِيُّ، وَأَوْصَاهُ أَنْ يَقُولَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: إِنَّ عَلِيًّا يَقُولُ لَكَ: إِنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مَنْ كَانَ الْعَمَلُ بِالْحَقِّ أَحَبَّ إِلَيْهِ، وَإِنْ نَقَصَهُ مِنَ الْبَاطِلِ وَإِنْ زَادَهُ. يَا عَمْرُو وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَيْنَ مَوْضِعُ الْحَقِّ فَلِمَ تَتَجَاهَلُ؟ إِنْ أُوتِيتَ طَمَعًا يَسِيرًا كُنْتَ لِلَّهِ بِهِ وَلِأَوْلِيَائِهِ عَدُوًّا، وَكَأَنَّ وَاللَّهِ مَا أُوتِيتَ قَدْ زَالَ عَنْكَ! وَيْحَكَ فَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا، وَلِلظَّالِمِينَ ظَهِيرًا، أَمَا إِنِّي أَعْلَمُ بِيَوْمِكَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ نَادِمٌ، وَهُوَ يَوْمُ وَفَاتِكَ، تَتَمَنَّى أَنَّكَ لَمْ تُظْهِرْ لِمُسْلِمٍ عَدَاوَةً، وَلَمْ تَأْخُذْ عَلَى حُكْمٍ رِشْوَةً.

فَلَمَّا بَلَغَهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: مَتَى كُنْتُ أَقْبَلُ مَشُورَةَ عَلِيٍّ، أَوْ أَنْتَهِي إِلَى أَمْرِهِ، أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>