للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ مُنْصَرِفًا إِلَى أَهْلِهِ، وَسَارَ مِنْ لَيْلَتِهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ. فَلَمَّا سَمِعَ بِمَسِيرِهِمْ عَلِيٌّ قَالَ: بُعْدًا لَهُمْ كَمَا بَعُدَتْ ثَمُودُ! إِنَّ الشَّيْطَانَ الْيَوْمَ اسْتَهْوَاهُمْ وَأَضَلَّهُمْ، وَهُوَ غَدًا مُتَبَرِّئٌ مِنْهُمْ. فَقَالَ لَهُ زِيَادُ بْنُ خَصَفَةَ الْبِكْرِيُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ لَمْ يَعْظُمْ عَلَيْنَا فَقَدُهُمْ فَتَأْسَى عَلَيْهِمْ، إِنَّهُمْ قَلَّ مَا يَزِيدُونَ فِي عَدَدِنَا لَوْ أَقَامُوا، وَلَقَلَّ مَا يُنْقِصُونَ مِنْ عَدَدِنَا بِخُرُوجِهِمْ عَنَّا، وَلَكِنَّا نَخَافُ أَنْ يُفْسِدُوا عَلَيْنَا جَمَاعَةً كَثِيرَةً مِمَّنْ يَقْدَمُونَ عَلَيْكَ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِكَ، فَأْذَنْ لِي فِي اتِّبَاعِهِمْ حَتَّى أَرُدَّهُمْ عَلَيْكَ. فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ تَوَجَّهُوا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ وَأَتَّبِعُ الْأَثَرَ. فَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ - رَحِمَكَ اللَّهُ - وَانْزِلْ دَيْرَ أَبِي مُوسَى، وَأَقِمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي، فَإِنْ كَانُوا ظَاهِرِينَ فَإِنَّ عُمَّالِي سَيَكْتُبُونَ بِخَبَرِهِمْ.

فَخَرَجَ زِيَادٌ فَأَتَى دَارَهُ، وَجَمَعَ أَصْحَابَهُ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَأَعْلَمَهُمُ الْخَبَرَ، فَسَارَ مَعَهُ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا، فَقَالَ: حَسْبِي. ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى دَيْرَ أَبِي مُوسَى، فَنَزَلَهُ يَوْمًا يَنْتَظِرُ أَمْرَ عَلِيٍّ، وَأَتَى عَلِيًّا كِتَابٌ مِنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ يُخْبِرُهُ أَنَّهُمْ تَوَجَّهُوا نَحْوَ نِفَّرَ، وَأَنَّهُمْ قَتَلُوا رَجُلًا مِنَ الدَّهَاقِينَ كَانَ أَسْلَمَ. فَأَرْسَلَ عَلِيٌّ إِلَى زِيَادٍ يَأْمُرُهُ بِاتِّبَاعِهِمْ، وَيُخْبِرُهُ خَبَرَهُمْ وَأَنَّهُمْ قَتَلُوا رَجْلًا مُسْلِمًا، وَيَأْمُرُهُ بِرَدِّهِمْ إِلَيْهِ، فَإِنْ أَبَوْا يُنَاجِزُهُمْ، وَسَيَّرَ الْكِتَابَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَالٍ، فَاسْتَأْذَنَهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْمَسِيرِ مَعَ زِيَادٍ، فَأَذِنَ لَهُ، وَقَالَ لَهُ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْ أَعْوَانِي عَلَى الْحَقِّ وَأَنْصَارِي عَلَى الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. قَالَ ابْنُ وَالٍ: فَوَاللَّهِ مَا أَحَبُّ أَنَّ لِي بِمَقَالَتِهِ تِلْكَ حُمْرَ النَّعَمِ.

وَسَارَ بِكِتَابِ عَلِيٍّ إِلَى زِيَادٍ، وَسَارُوا حَتَّى أَتَوْا نِفَّرَ، فَقِيلَ إِنَّهُمْ سَارُوا نَحْوَ جَرْجَرَايَا، فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى أَدْرَكُوهُمْ بِالْمَذَارِ وَهُمْ نُزُولٌ قَدْ أَقَامُوا يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ وَاسْتَرَاحُوا، فَأَتَاهُمْ زِيَادٌ وَقَدْ تَقَطَّعَ أَصْحَابُهُ وَتَعِبُوا، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ رَكِبُوا خُيُولَهُمْ، وَقَالَ لَهُمُ الْخِرِّيتُ: أَخْبِرُونِي مَا تُرِيدُونَ. فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ، وَكَانَ مُجَرِّبًا رَفِيقًا: قَدْ تَرَى مَا بِنَا مِنَ التَّعَبِ، وَالَّذِي جِئْنَاكَ لَهُ لَا يُصْلِحُهُ الْكَلَامُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ نَنْزِلُ، ثُمَّ نَخْلُو جَمِيعًا فَنَتَذَاكَرُ أَمْرَنَا، فَإِنْ رَأَيْتَ مَا جِئْنَاكَ بِهِ حَظًّا لِنَفْسِكَ قَبِلْتَهُ، وَإِنْ رَأَيْنَا فِيمَا نَسْمَعُ مِنْكَ أَمْرًا نَرْجُو فِيهِ الْعَافِيَةَ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ. قَالَ: فَانْزِلْ. فَنَزَلَ زِيَادٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى مَاءٍ هُنَاكَ، وَأَكَلُوا شَيْئًا وَعَلَّقُوا عَلَى دَوَابِّهِمْ، وَوَقَفَ زِيَادٌ فِي خَمْسَةِ فَوَارِسَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ، وَكَانُوا قَدْ نَزَلُوا أَيْضًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>