وَقَالَ زِيَادٌ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ عِدَّتَنَا كَعِدَّتِهِمْ، وَأَرَى أَمْرَنَا يَصِيرُ إِلَى الْقِتَالِ، فَلَا تَكُونُوا أَعْجَزَ الْفَرِيقَيْنِ.
وَخَرَجَ زِيَادٌ إِلَى الْخِرِّيتِ فَسَمِعَهُمْ يَقُولُونَ: جَاءَنَا الْقَوْمُ وَهُمْ كَالُّونَ تَعِبُونَ، فَتَرَكْنَاهُمْ حَتَّى اسْتَرَاحُوا، هَذَا وَاللَّهِ سُوءُ الرَّأْيِ. فَدَعَاهُ زِيَادٌ وَقَالَ لَهُ: مَا الَّذِي نَقَمْتَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلَيْنَا حَتَّى فَارَقَتْنَا؟ فَقَالَ: لَمْ أَرْضَ صَاحِبَكُمْ إِمَامًا وَلَا سِيرَتَكُمْ سِيرَةً، فَرَأَيْتُ أَنْ أَعْتَزِلَ وَأَكُونَ مَعَ مَنْ يَدْعُو إِلَى الشُّورَى، فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ: وَهَلْ يَجْتَمِعُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ يُدَانِي صَاحِبَكَ الَّذِي فَارَقْتَهُ عِلْمًا بِاللَّهِ وَسُنَّتِهِ وَكِتَابِهِ مَعَ قَرَابَتِهِ مِنَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسَابَقَتِهِ فِي الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ لَهُ: ذَلِكَ لَا أَقُولُ لَكَ. فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ: فَفِيمَ قَتَلْتَ ذَلِكَ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ؟ فَقَالَ لَهُ: مَا أَنَا قَتَلْتُهُ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِي. قَالَ: فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا. قَالَ: مَا لِي إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ. فَدَعَا زِيَادٌ أَصْحَابَهُ، وَدَعَا الْخِرِّيتُ أَصْحَابَهُ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا تَطَاعَنُوا بِالرِّمَاحِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ رُمْحٌ، وَتَضَارَبُوا بِالسُّيُوفِ حَتَّى انْحَنَتِ، وَعُقِرَتْ عَامَّةُ خُيُولِهِمْ، وَكَثُرَتِ الْجِرَاحَةُ فِيهِمْ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ زِيَادٍ رَجُلَانِ وَمِنْ أُولَئِكَ خَمْسَةٌ، وَجَاءَ اللَّيْلُ فَحَجَزَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَجُرِحَ زِيَادٌ، فَسَارَ الْخِرِّيتُ مِنَ اللَّيْلِ، وَسَارَ زِيَادٌ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَأَتَاهُمْ خَبَرُ الْخِرِّيتِ أَنَّهُ أَتَى الْأَهْوَازَ، فَنَزَلَ بِجَانِبٍ مِنْهَا، وَتَلَاحَقَ بِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِمْ، فَصَارُوا نَحْوَ مِائَتَيْنِ، فَكَتَبَ زِيَادٌ إِلَى عَلِيٍّ بِخَبَرِهِمْ، وَأَنَّهُ مُقِيمٌ يُدَاوِي الْجَرْحَى وَيَنْتَظِرُ أَمْرَهُ.
فَلَمَّا قَرَأَ عَلِيٌّ كِتَابَهُ قَامَ إِلَيْهِ مَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ مَنْ يَطْلُبُ هَؤُلَاءِ مَكَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشْرَةٌ، فَإِذَا لَحِقُوهُمُ اسْتَأْصَلُوهُمْ وَقَطَعُوا دَابِرَهُمْ، فَأَمَّا أَنْ يَلْقَاهُمْ عَدَدُهُمْ، فَلَعَمْرِي لَيَصْبِرُنَّ لَهُمْ، فَإِنَّ الْعِدَّةَ تَصْبِرُ لِلْعِدَّةِ. فَقَالَ: تَجَهَّزْ يَا مَعْقِلُ إِلَيْهِمْ، وَنَدَبَ مَعَهُ أَلْفَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، مِنْهُمْ يَزِيدُ بْنُ الْمَعَقِّلِ الْأَسَدِيُّ. وَكَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَأْمُرُهُ أَنْ يَبْعَثَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ رَجْلًا شُجَاعًا مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ فِي أَلْفَيْ رَجُلٍ إِلَى مَعْقِلٍ - وَهُوَ أَمِيرُ أَصْحَابِهِ - حَتَّى يَأْتِيَ مَعْقِلًا، فَإِذَا لَقِيَهُ كَانَ مَعْقِلٌ الْأَمِيرَ. وَكَتَبَ إِلَى زِيَادِ بْنِ خَصَفَةَ يَشْكُرُهُ، وَيَأْمُرُهُ بِالْعَوْدِ.
وَاجْتَمَعَ عَلَى الْخِرِّيتِ النَّاجِيِّ عُلُوجٌ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَازِ كَثِيرٌ، أَرَادُوا كَسْرَ الْخَرَاجِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute