وَلُصُوصٌ وَطَائِفَةٌ أُخْرَى مِنَ الْعَرَبِ تَرَى رَأْيَهُ، وَطَمِعَ أَهْلُ الْخَرَاجِ فِي كَسْرِهِ فَكَسَرُوهُ، وَأَخْرَجُوا سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ مِنْ فَارِسَ، وَكَانَ عَامِلًا لَعَلِّي عَلَيْهَا (فِي قَوْلِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ) . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَعَلِيٍّ: أَنَا أَكْفِيكَ فَارِسَ بِزِيَادٍ - يَعْنِي ابْنَ أَبِيهِ - فَأَمَرَهُ بِإِرْسَالِهِ إِلَيْهَا (وَتَعْجِيلِ تَسْيِيرِهِ) ، فَأَرْسَلَ زِيَادًا إِلَيْهَا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَوَطِئَ بِلَادَ فَارِسَ، فَأَدَّوُا الْخَرَاجَ وَاسْتَقَامُوا. وَسَارَ مَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ، وَوَصَّاهُ عَلِيٌّ فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتَ، وَلَا تَبْغِ عَلَى أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَلَا تَظْلِمْ أَهْلَ الذِّمَّةِ، وَلَا تَتَكَبَّرْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُتَكَبِّرِينَ.
فَقَدِمَ مَعْقِلٌ الْأَهْوَازَ يَنْتَظِرُ مَدَدَ الْبَصْرَةِ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَسَارَ عَنِ الْأَهْوَازِ يَطْلُبُ الْخِرِّيتَ، فَلَمْ يَسِرْ إِلَّا يَوْمًا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْمَدَدُ مَعَ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ الطَّائِيِّ، فَسَارُوا جَمِيعًا، فَلَحِقُوهُمْ قُرَيْبَ جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ رَامَهُرْمُزْ، فَصَفَّ مَعْقِلٌ أَصْحَابَهُ، فَجَعَلَ عَلَى مَيْمَنَتِهِ يَزِيدَ بْنَ الْمَعَقِّلِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ مِنْجَابَ بْنَ رَاشِدٍ الضَّبِّيَّ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَصَفَّ الْخِرِّيتُ أَصْحَابَهُ فَجَعَلَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْعَرَبِ مَيْمَنَةً، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَالْعُلُوجِ مَيْسَرَةً، وَمَعَهُمُ الْأَكْرَادُ، وَحَرَّضَ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابَهُ، وَحَرَّكَ مَعْقِلٌ رَأْسَهُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ حَمَلَ فِي الثَّالِثَةِ، فَصَبَرُوا لَهُ سَاعَةً ثُمَّ انْهَزَمُوا، فَقَتَلَ أَصْحَابُ مَعْقِلٍ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي نَاجِيَةَ، وَمَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ، وَقَتَلُوا نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ مِنَ الْعُلُوجِ وَالْأَكْرَادِ، وَانْهَزَمَ الْخِرِّيتُ بْنُ رَاشِدٍ فَلَحِقَ بِأَسْيَافِ الْبَحْرِ، وَبِهَا جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَمَا زَالَ يَسِيرُ فِيهِمْ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى خِلَافِ عَلِيٍّ وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ الْهُدَى فِي حَرْبِهِ، حَتَّى اتَّبَعَهُ مِنْهُمْ نَاسٌ كَثِيرٌ.
وَأَقَامَ مَعْقِلٌ بِأَرْضِ الْأَهْوَازِ، وَكَتَبَ إِلَى عَلِيٍّ بِالْفَتْحِ، فَقَرَأَ عَلِيٌّ الْكِتَابَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَاسْتَشَارَهُمْ، قَالُوا كُلُّهُمْ: نَرَى أَنْ تَأْمُرَ مَعْقِلًا أَنْ يَتْبَعَ آثَارَ الْفَاسِقِ حَتَّى يَقْتُلَهُ أَوْ يَنْفِيَهُ، فَإِنَّا لَا نَأْمَنُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكَ النَّاسَ. فَكَتَبَ إِلَى مَعْقِلٍ يُثْنِي عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ، وَيَأْمُرُهُ بِاتِّبَاعِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute