النَّهْرِ، وَلَقِيَ مَعَهُمُ امْرَأَةً مِنْ تَيْمِ الرِّبَابِ اسْمُهَا قَطَامِ، وَقَدْ قُتِلَ أَبُوهَا وَأَخُوهَا يَوْمَ النَّهْرِ، وَكَانَتْ فَائِقَةَ الْجَمَالِ. فَلَمَّا رَآهَا أَخَذَتْ قَلْبَهُ فَخَطَبَهَا. فَقَالَتْ: لَا أَتَزَوَّجُكَ حَتَّى تَشْتَفِيَ لِي. فَقَالَ: وَمَا تُرِيدِينَ؟ قَالَتْ: ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَعَبْدًا وَقَيْنَةً، وَقَتْلَ عَلِيٍّ. فَقَالَ: أَمَّا قَتْلُ عَلِيٍّ فَمَا أَرَاكِ ذَكَرْتِهِ وَأَنْتِ تُرِيدِينَنِي. قَالَتْ: بَلَى، الْتَمِسْ غُرَّتَهُ، فَإِنْ أَصَبْتَهُ شَفَيْتَ نَفْسَكَ وَنَفْسِي وَنَفَعَكَ الْعَيْشُ مَعِي، وَإِنْ قُتِلْتَ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. قَالَ: وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِي إِلَّا قَتْلُ عَلِيٍّ، فَلَكِ مَا سَأَلْتِ. قَالَتْ: سَأَطْلُبُ لَكَ مَنْ يَشُدُّ ظَهْرَكَ وَيُسَاعِدُكَ. وَبَعَثَتْ إِلَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهَا اسْمُهُ وَرْدَانُ وَكَلَّمَتْهُ، فَأَجَابَهَا، وَأَتَى ابْنُ مُلْجَمٍ رَجُلًا مِنْ أَشْجَعَ اسْمُهُ شَبِيبُ بْنُ بَجَرَةَ فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ فِي شَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ قَالَ: وَمَاذَا؟ قَالَ: قَتْلُ عَلِيٍّ. قَالَ شَبِيبٌ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِدًّا! كَيْفَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ؟ قَالَ: أَكْمُنُ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ الْغَدَاةَ شَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَتَلْنَاهُ، فَإِنْ نَجَوْنَا فَقَدْ شَفَيْنَا أَنْفُسَنَا، وَإِنْ قُتِلْنَا فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. قَالَ: وَيْحَكَ! لَوْ كَانَ غَيْرَ عَلِيٍّ كَانَ أَهْوَنَ، قَدْ عَرَفْتُ سَابِقَتَهُ وَفَضْلَهُ وَبَلَاءَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا أَجِدُنِي أَنْشَرِحُ لِقَتْلِهِ. قَالَ: أَمَا تَعْلَمُهُ قَتَلَ أَهْلَ النَّهْرِ الْعِبَادَ الصَّالِحِينَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَنَقْتُلُهُ بِمَنْ قَتَلَ مِنْ أَصْحَابِنَا. فَأَجَابَهُ.
فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَاعَدَ ابْنُ مُلْجَمٍ أَصْحَابَهُ عَلَى قَتْلِ عَلِيٍّ، وَقَتْلِ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرٍو، أَخَذَ سَيْفَهُ وَمَعَهُ شَبِيبٌ وَوَرْدَانُ، وَجَلَسُوا مُقَابِلَ السُّدَّةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا عَلِيٌّ لِلصَّلَاةِ، فَلَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ نَادَى: أَيُّهَا النَّاسُ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ. فَضَرَبَهُ شَبِيبٌ بِالسَّيْفِ، فَوَقَعَ سَيْفُهُ بِعِضَادَةِ الْبَابِ، وَضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ عَلَى قَرْنِهِ بِالسَّيْفِ، (وَقَالَ: الْحُكْمُ لِلَّهِ لَا لَكَ يَا عَلِيُّ وَلَا لِأَصْحَابِكَ) ! وَهَرَبَ وَرْدَانُ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَأَخْبَرَهُ وَرْدَانُ بِمَا كَانَ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ وَجَاءَ بِسَيْفِهِ فَضَرَبَ بِهِ وَرْدَانَ حَتَّى قَتَلَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute