وَلَحِقَ الْحَسَنُ بِالْمَدِينَةِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَحَشَمِهِمْ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَبْكُونَ عِنْدَ مَسِيرِهِمْ مِنَ الْكُوفَةِ.
قِيلَ لِلْحَسَنِ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: كَرِهْتُ الدُّنْيَا وَرَأَيْتُ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَوْمًا لَا يَثِقُ بِهِمْ أَحَدٌ أَبَدًا إِلَّا غُلِبَ، لَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَافِقُ آخَرَ فِي رَأْيٍ وَلَا هَوًى، مُخْتَلِفِينَ لَا نِيَّةَ لَهُمْ فِي خَيْرٍ وَلَا شَرٍّ، لَقَدْ لَقِيَ أَبِي مِنْهُمْ أُمُورًا عِظَامًا، فَلَيْتَ شِعْرِي لِمَنْ يَصْلُحُونَ بَعْدِي، وَهِيَ أَسْرَعُ الْبِلَادِ خَرَابًا!
«وَلَمَّا سَارَ الْحَسَنُ مِنَ الْكُوفَةِ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا مُسَوِّدَ وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ! فَقَالَ: لَا تَعْذِلْنِي فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَى فِي الْمَنَامِ بَنِي أُمَيَّةَ يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ رَجُلًا فَرَجُلًا فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١] ، وَهُوَ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، وَ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: ١] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: ٣] ، يَمْلِكُهَا بَعْدَكَ بَنُو أُمَيَّةَ» .
ذِكْرُ صُلْحِ مُعَاوِيَةَ وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ
(وَفِيهَا جَرَى الصُّلْحُ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، وَكَانَ قَيْسٌ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَسَبَبُ امْتِنَاعِهِ) أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ لَمَّا عَلِمَ بِمَا يُرِيدُهُ الْحَسَنُ مِنْ تَسْلِيمِ الْأَمْرِ إِلَى مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَسْأَلُهُ الْأَمَانَ لِنَفْسِهِ عَلَى مَا أَصَابَ مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ، فَأَجَابَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عُبَيْدُ اللَّهِ لَيْلًا وَتَرَكَ جُنْدَهُ الَّذِينَ هُوَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ أَمِيرٍ وَفِيهِمْ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، فَأَمَّرَ ذَلِكَ الْجُنْدُ عَلَيْهِمْ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ وَتَعَاقَدُوا هُوَ وَهُمْ عَلَى قِتَالِ مُعَاوِيَةَ حَتَّى يَشْرُطَ لِشِيعَةِ عَلِيٍّ وَلِمَنْ كَانَ مَعَهُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ قَيْسًا كَانَ هُوَ الْأَمِيرُ عَلَى ذَلِكَ الْجَيْشِ (فِي الْمُقَدِّمَةِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَانَ شَدِيدَ الْكَرَاهَةِ لِإِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ صَالِحَ مُعَاوِيَةَ اجْتَمَعَ مَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ وَبَايَعُوهُ عَلَى قِتَالِ مُعَاوِيَةَ حَتَّى يَشْتَرِطَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute