للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِشِيعَةِ عَلِيٍّ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَمَا كَانُوا أَصَابُوا فِي الْفِتْنَةِ، فَرَاسَلَهُ مُعَاوِيَةُ يَدْعُوهُ إِلَى طَاعَتِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِسِجِلٍّ، وَخَتَمَ عَلَى أَسْفَلِهِ وَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ فِي هَذَا مَا شِئْتَ فَهُوَ لَكَ. فَقَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: لَا تُعْطِهِ هَذَا وَقَاتِلْهُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: عَلَى رِسْلِكَ فَإِنَّا لَا نَخْلُصُ إِلَى قَتْلِهِمْ حَتَّى يَقْتُلُوا أَعْدَادَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُقَاتِلُهُ أَبَدًا حَتَّى لَا أَجِدَ مِنْ قِتَالِهِ بُدًّا.

فَلَمَّا بَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ ذَلِكَ السِّجِلَّ اشْتَرَطَ قَيْسٌ لَهُ وَلِشِيعَةِ عَلِيٍّ الْأَمَانَ عَلَى مَا أَصَابُوا مِنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ، وَلَمْ يَسْأَلْ فِي سِجِلِّهِ ذَلِكَ مَالًا، وَأَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ مَا سَأَلَ، وَدَخَلَ قَيْسٌ وَمَنْ مَعَهُ فِي طَاعَتِهِ.

وَكَانُوا يَعُدُّونَ دُهَاةَ النَّاسِ حِينَ ثَارَتِ الْفِتْنَةُ خَمْسَةً يُقَالُ إِنَّهُمْ ذَوُو رَأْيِ الْعَرَبِ وَمَكِيدَتِهِمْ: مُعَاوِيَةُ، وَعَمْرٌو، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ الْخُزَاعِيُّ، وَكَانَ قَيْسٌ وَابْنُ بُدَيْلٍ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ مُعْتَزِلًا بِالطَّائِفِ، وَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ لِمُعَاوِيَةَ دَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ! فَضَحَكَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: مَا كَانَ عَلَيْكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ لَوْ قُلْتَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: أَتَقُولُهَا جَذْلَانَ ضَاحِكًا؟ وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي وُلِيتُهَا بِمَا وُلِيتَهَا بِهِ.

ذِكْرُ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ عَلَى مُعَاوِيَةَ

قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ اعْتِزَالَ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيِّ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْخَوَارِجِ وَمَسِيرَهُمْ إِلَى شَهْرَزُورَ، وَتَرَكُوا قِتَالَ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ، فَلَمَّا سَلَّمَ الْحَسَنُ الْأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ قَالُوا: قَدْ جَاءَ الْآنَ مَا لَا شَكَّ فِيهِ، فَسِيرُوا إِلَى مُعَاوِيَةَ فَجَاهِدُوهُ.

فَأَقْبَلُوا وَعَلَيْهِمْ فَرْوَةُ بْنُ نَوْفَلٍ حَتَّى حَلُّوا بِالنُّخَيْلَةِ عِنْدَ الْكُوفَةِ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَدْ سَارَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ يَدْعُوهُ إِلَى قِتَالِ فَرْوَةَ، فَلَحِقَهُ رَسُولُهُ بِالْقَادِسِيَّةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، فَلَمْ يَرْجِعْ وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: لَوْ آثَرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ لَبَدَأْتُ بِقِتَالِكَ، فَإِنِّي تَرَكْتُكَ لِصَلَاحِ الْأُمَّةِ وَحَقْنِ دِمَائِهَا.

فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مُعَاوِيَةُ جَمْعًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَقَاتَلُوهُمْ، فَانْهَزَمَ أَهْلُ الشَّامِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ: وَاللَّهِ لَا أَمَانَ لَكُمْ عِنْدِي حَتَّى تَكُفُّوهُمْ. فَخَرَجَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فَقَاتَلُوهُمْ. فَقَالَتْ لَهُمُ الْخَوَارِجُ: أَلَيْسَ مُعَاوِيَةُ عَدُوَّنَا وَعَدُوَّكُمْ؟ دَعُونَا حَتَّى نُقَاتِلَهُ، فَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>