أَصَبْنَا كُنَّا قَدْ كَفَيْنَاكُمْ عَدُوَّكُمْ، وَإِنْ أَصَابَنَا كُنْتُمْ قَدْ كَفَيْتُمُونَا. فَقَالُوا: لَا بُدَّ لَنَا مِنْ قِتَالِكُمْ. فَأَخَذَتْ أَشْجَعُ صَاحِبَهُمْ فَرْوَةَ فَحَادَثُوهُ وَوَعَظُوهُ فَلَمْ يَرْجِعْ، فَأَخَذُوهُ قَهْرًا وَأَدْخَلُوهُ الْكُوفَةَ، فَاسْتَعْمَلَ الْخَوَارِجُ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي الْحَوْسَاءِ، رَجُلًا مِنْ طَيِّئٍ، فَقَاتَلَهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ فَقَتَلُوهُمْ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، (وَقِيلَ: فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ) وَقُتِلَ ابْنُ أَبِي الْحَوْسَاءِ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي الْحَوْسَاءِ حِينَ وَلِيَ أَمْرَ الْخَوَارِجِ قَدْ خُوِّفَ مِنَ السُّلْطَانِ أَنْ يَصْلُبَهُ، فَقَالَ:
مَا إِنْ أُبَالِي إِذَا أَرْوَاحُنَا قُبِضَتْ ... مَاذَا فَعَلْتُمْ بِأَوْصَالٍ وَأَبْشَارِ
تَجْرِي الْمَجَرَّةُ وَالنَّسْرَانِ عَنْ قَدَرٍ ... وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ السَّارِي بِمِقْدَارِ
وَقَدْ عَلِمْتُ، وَخَيْرُ الْقَوْلِ أَنْفَعُهُ ... أَنَّ السَّعِيدَ الَّذِي يَنْجُو مِنَ النَّارِ
ذِكْرُ خُرُوجِ حَوْثَرَةَ بْنِ ذِرَاعٍ
وَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ أَبِي الْحَوْسَاءِ اجْتَمَعَ الْخَوَارِجُ فَوَلَّوْا أَمْرَهُمْ حَوْثَرَةَ بْنَ ذِرَاعِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَسَدِيَّ، فَقَامَ فِيهِمْ وَعَابَ فَرْوَةَ بْنَ نَوْفَلٍ لِشَكِّهِ فِي قِتَالِ عَلِيٍّ وَدَعَا الْخَوَارِجَ وَسَارَ مِنْ بَرَازِ الرُّوزِ، وَكَانَ بِهَا، حَتَّى قَدِمَ النُّخَيْلَةَ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ فَلُّ ابْنِ أَبِي الْحَوْسَاءِ، وَهُمْ قَلِيلٌ، فَدَعَا مُعَاوِيَةُ أَبَا حَوْثَرَةَ فَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ إِلَى ابْنِكَ فَلَعَلَّهُ يَرِقُّ إِذَا رَآكَ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَكَلَّمَهُ وَنَاشَدَهُ وَقَالَ: أَلَا أَجِيئُكَ بِابْنِكَ فَلَعَلَّكَ إِذَا رَأَيْتَهُ كَرِهْتَ فِرَاقَهُ؟ فَقَالَ: أَنَا إِلَى طَعْنَةٍ مِنْ يَدِ كَافِرٍ بِرُمْحٍ أَتَقَلَّبُ فِيهِ سَاعَةً أَشْوَقُ مِنِّي إِلَى ابْنِي. فَرَجَعَ أَبُوهُ فَأَخْبَرَ مُعَاوِيَةَ بِقَوْلِهِ، فَسَيَّرَ مُعَاوِيَةُ إِلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَوْفٍ الْأَحْمَرَ فِي أَلْفَيْنِ، وَخَرَجَ أَبُو حَوْثَرَةَ فِيمَنْ خَرَجَ فَدَعَا ابْنَهُ إِلَى الْبِرَازِ، فَقَالَ: يَا أَبَهْ لَكَ فِي غَيْرِي سَعَةٌ. وَقَاتَلَهُمُ ابْنُ عَوْفٍ وَصَبَرُوا، وَبَارَزَ حَوْثَرَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَوْفٍ فَطَعَنَهُ ابْنُ عَوْفٍ فَقَتَلَهُ وَقَتَلَ أَصْحَابَهُ إِلَّا خَمْسِينَ دَخَلُوا الْكُوفَةَ، وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ إِحْدَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute