للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى زِيَادٍ: إِنَّ فِي يَدِكَ مَالًا مِنْ مَالِ اللَّهِ فَأَدِّ مَا عِنْدَكَ مِنْهُ.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ زِيَادٌ: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ عِنْدِي شَيْءٌ، وَلَقَدْ صَرَفْتُ مَا كَانَ عِنْدِي فِي وَجْهِهِ، وَاسْتَوْدَعْتُ بَعْضَهُ لِنَازِلَةٍ إِنْ نَزَلَتْ، وَحَمَلْتُ مَا فَضَلَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ:

أَنْ أَقْبِلْ نَنْظُرْ فِيمَا وُلِيتَ، فَإِنِ اسْتَقَامَ بَيْنَنَا أَمْرٌ وَإِلَّا رَجَعْتَ إِلَى مَأْمَنِكَ. فَامْتَنَعَ، فَأَخَذَ بُسْرٌ أَوْلَادَ زِيَادٍ الْأَكَابِرَ، مِنْهُمْ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَعَبَّادٌ، وَكَتَبَ إِلَى زِيَادٍ: لَتَقْدَمَنَّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ لَأَقْتُلَنَّ بَنِيكَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ زِيَادٌ: لَسْتُ بَارِحًا مِنْ مَكَانِي حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبِكَ، وَإِنْ قَتَلْتَ وَلَدِي فَالْمَصِيرُ إِلَى اللَّهِ وَمِنْ وَرَائِنَا الْحِسَابُ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: ٢٢٧] . فَأَرَادَ بُسْرٌ قَتْلَهُمْ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ:

قَدْ أَخَذْتَ وَلَدَ أَخِي بِلَا ذَنْبٍ، وَقَدْ صَالَحَ الْحَسَنُ مُعَاوِيَةَ عَلَى مَا أَصَابَ أَصْحَابَ عَلِيٌّ حَيْثُ كَانُوا، فَلَيْسَ [لَكَ] عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى أَبِيهِمْ سَبِيلٌ. وَأَجِّلْهُ أَيَّامًا حَتَّى يَأْتِيَهُ بِكِتَابِ مُعَاوِيَةَ، فَرَكِبَ أَبُو بَكْرَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ بِالْكُوفَةِ فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ:

يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّ النَّاسَ لَمْ يُعْطُوكَ بَيْعَتَهُمْ عَلَى قَتْلِ الْأَطْفَالِ! قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا بَكْرَةَ؟ قَالَ: بُسْرٌ يُرِيدُ قَتْلَ بَنِي أَخِي زِيَادٍ. فَكَتَبَ لَهُ بِتَخْلِيَتِهِمْ. فَأَخَذَ كِتَابَهُ إِلَى بُسْرٌ بِالْكَفِّ عَنْ أَوْلَادِ زِيَادٍ، وَعَادَ فَوَصَلَ الْبَصْرَةَ يَوْمَ الْمِيعَادِ وَقَدْ أَخْرَجَ بُسْرٌ أَوْلَادَ زِيَادٍ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَنْتَظِرُ بِهِمُ الْغُرُوبَ لِيَقْتُلَهُمْ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ لِذَلِكَ وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أَبَا بَكْرَةَ إِذْ رَفَعَ لَهُمْ عَلَى نَجِيبٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ يَكِدُّهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَنَزَلَ عَنْهُ وَأَلَاحَ بِثَوْبِهِ وَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ مَعَهُ، فَأَقْبَلَ يَسْعَى عَلَى رِجْلَيْهِ فَأَدْرَكَ بُسْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ كِتَابَ مُعَاوِيَةَ، فَأَطْلَقَهُمْ.

وَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ كَتَبَ إِلَى زِيَادٍ حِينَ قُتِلَ عَلِيٌّ يَتَهَدَّدُهُ، فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: الْعَجَبُ مِنِ ابْنِ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ، وَكَهْفِ النِّفَاقِ، وَرَئِيسِ الْأَحْزَابِ يَتَهَدَّدُنِي، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ (ابْنَا) عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فِي سَبْعِينَ أَلْفًا وَاضِعِي سُيُوفِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ! أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ خَلَصَ إِلَيَّ لَيَجِدَنِّي أَحْمَزَ ضَرَّابًا بِالسَّيْفِ. فَلَمَّا صَالَحَ الْحَسَنُ مُعَاوِيَةَ وَقَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْكُوفَةَ تَحَصَّنَ زِيَادٌ فِي الْقَلْعَةِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا قَلْعَةُ زِيَادٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>